من الضروري جداً ونحن نتحدث عن مسألة تدنيس القرآن التي حدثت في سجن غوانتانامو، أن ندرك جيداً البعد الخطير في هذه المسألة، وأقصد بذلك البعد الصليبي فيها الذي حاول البعض التهوين منه والنظر إليه على أنه مجرد وهم وخيال، يحاول بعض الكتاب الإسلاميين تأليفه، وأنه مجرد خطأ إعلامي ارتكبته مجلة "نيوزويك" الأميركية. وكنت أتمنى أن تكون مثل هذه الافتراضات صحيحة، وأن تخرج نتائج التحقيق التي أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالي بأمر من الرئيس الأميركي جورج بوش مع الحراس والضباط والمعتقلين في سجن غوانتانامو، مطابقة تماماً لهذه الافتراضات. إلا أن ما حدث هو العكس تماماً، حيث إن نتائج التحقيق نسفت كل تلك الافتراضات الوهمية التي حاول بعض الكتاب والمثقفين الاحتماء بها حتى لا تنكشف صورة الديمقراطية الأميركية المزيفة التي تصر على إهانة أكثر من مليار مسلم كل يوم.
أكدت هذه النتائج حقيقة ما جاء في مجلة "نيوزويك" بخصوص تدنيس القرآن. والأهم أنها أشارت إلى نقاط غاية في الخطورة أبرزها، أن ما كان يحدث لم يكن عملاً فردياً بل عمل جماعي مقصود، وأن هذا العمل كان تحت إشراف قيادات عليا في البنتاغون، وأن الحراس الأميركيين في سجن غوانتانامو قاموا فعلاً بتدنيس القرآن ووضعه في الحمام، وأن الأمر وصل إلى حد أن طلب أحد الضباط من الحراس أن يجعلوا من صفحات القرآن جوارب لهم، ومن المعتقلين أن يقوموا بتقطيع القرآن كلام الله ومعجزته الخالدة وجوهر الإسلام، وعندما رفضوا تم تعذيبهم بقسوة. وأن هذا الأمر كان يحدث في أفغانستان والعراق, وأن أحد الحراس قام بإدخال كلمات بحبر أحمر على الكلمات الأصلية في القرآن تعبر عن إهانته للقرآن وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن أحد المسجونين تم إطلاق النار عليه وقتل، فقط لأنه جمع أوراق المصحف من الحمام لإبعادها عنه. كذلك فإن بعض الحراس مزقوا مصاحف ووضعوا صفحاتها أرضا, وداسوها أمام السجناء. هذه النتائج تكشف عدة أمور,
منها مستوى الحقد الصليبي الكاره للإسلام والقرآن وأهل القرآن، والذي كان واضحاً في كل هذه الخطوات التي حدثت في سجون غوانتانامو وأفغانستان والعراق، وخاصة أن هذه الأحداث تزامنت مع الحملات التبشيرية الواسعة التي تتحرك الآن وبقوة في بقاع عديدة من العالم العربي والإسلامي.
وحتى نكون أكثر دقة في فهم الأسباب التي جعلت مثل هذا العداء ضد القرآن والإسلام يظهر بقوة في الغرب، فإن الأمر يحتاج إلى أن نرجع إلى كتاب الراهبة البريطانية السابقة كارين آرمسترونج "محمد: سيرة النبي" الذي نستنتج من خلاله الصلة الوثيقة بين ما يحدث اليوم من إهانة للأمة الإسلامية والقرآن وبين جذور الحالة العدائية الصليبية التي بدأت منذ القرن السابع عشر الميلادي، والتي حددتها المؤلفة على أنها حالة عدائية راسخة الجذور في التاريخ الصليبي إلى درجة أنه لم يعد يمنع الغربيين شيء عن مهاجمة الإسلام والقرآن والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، حتى ولو كانوا لا يعرفون عنه إلا القليل، والسبب كما تقول هو العجز الكبير الذي كانت تعاني منه أوروبا في تلك الفترة بسبب التوسع الإسلامي الكبير، وأيضاً عدم القدرة على التأثير في الثقافة الإسلامية القوية والذي اعتبرته أوروبا نهاية لمشروعها الصليبي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر.
هذه المشاريع والطموحات الصليبية تعود اليوم بقوة مستغلة ضعف الأمة العربية والإسلامية في صورة مواجهة حقيقية بين الغرب والإسلام.
إن مسألة الإساءة إلى الإسلام والقرآن والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، في ثقافة الغرب لن تنتهي وبخاصة في أميركا، وذلك بسبب هذه المشاريع والطموحات الصليبية، وأنه بالرغم من الاعتذار الذي قدمته كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية بخصوص تدنيس القرآن وبالرغم من التوصيات التي أوصت بها لجنة التحقيق الأميركية بضرورة الحفاظ على مكانة القرآن في السجون وعدم استعماله في الحمامات ودورات المياه، وعدم إلقاء القاذورات عليه أمام المسجونين أو تمزيقه أو دهسه بالأقدام حفاظاً على مشاعر المسلمين، فإن الأمر سيستمر، وذلك لأن القانون الأميركي يقول صراحة إنه "يحق للمواطنين الأميركيين أن يسيئوا للقرآن كنوع من حرية التعبير وهم أحرار كذلك في إحراق العلم الأميركي أو تمزيق الإنجيل، ولكن ذلك ممنوع على الموظفين الحكوميين الذين يمكن أن يعاقبوا لمخالفتهم التعليمات الحكومية".