ما زال حل أزمة الاتفاق على دستور قومي للفترة الانتقالية في حاله لم يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام, وهو يعني أن يقوم بوضع الدستور فريقان فقط, الحكومة والحركة الشعبية مع معارضة كاملة لكل أحزاب المعارضة الأخرى، وهي في أغلب التقديرات تمثل أغلبية الناخبين في السودان.
إن أبعد تقدير لمهمة إنجاز هذا الدستور هو السادس من الشهر القادم, ولا يبدو أن حزب الأمة سيوافق بالمشاركة حسب الشروط الموضوعة وكذلك الأمر بالنسبة للمؤتمر الشعبي (الدكتور الترابي). أما التجمع الوطني الديمقراطي فأغلب الظن أن يواصل موقفه رغم التأرجح الذي يبدو في تصرفاته متمثلة في تحركات رأسه السيد محمد عثمان الميرغني.
لكن الجديد في الأمر أن معارضي ثنائية وضع الدستور حصلوا هذا الأسبوع على تأييد دبلوماسي واحد في حديث صدر عن الممثل الدائم للأمين العام للأمم المتحدة في الخرطوم, الذي خاطب اجتماعاً لقيادات عدد من الأحزاب المعارضة ركز فيه على أن هدف (الاتفاقية) هو السلام والديمقراطية و ضمان الحريات العامة, قائلاً إن تلك هي ضمانات تنفيذ الاتفاقية كاملة بلا نقص.
وقد فهم حديث أكبر ممثل للأمم المتحدة في السودان, وكأنه نوع من التطمين بأن الوضع الحالي الخاص بالنزاع على وضع الدستور الانتقالي قد يعدل قليلاً... وتحدث ممثل الأمين العام في السودان عن أن خطوات قد تمت نحو السلام, ولكن هناك السلام الشامل وهذا لن يتحقق إلا عبر المؤتمر الجامع الذي تنص عليه الاتفاقيات والبروتوكولات الموقعة بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان.
وهذا قول بالغ الدلالة لأن كل أحزاب المعارضة تدعو منذ زمن طويل بأهمية وضرورة عقد المؤتمر الدستوري الجامع لكل القوى السياسية في الجنوب وفي الشمال, ولا يقف ضد عقد هذا المؤتمر إلا الحكومة وحزبها.
إن إجازة الدستور الذي سيحكم السودان لفترة انتقالية بالصورة الجارية الآن ستكون أول طعن أو خرق للاتفاقية ذاتها, ولعل مندوب الأمم المتحدة أراد أن ينبه إلى هذا ويرسل إشارة ضمنية لحزب الحكومة وقيادة الحركة الشعبية مع تنبيه أحزاب المعارضة لحقائق مهمة. ثم إن بلدا ما زالت الحرب تدور فيه في إقليمي دارفور والشرق وفيه متعاطفون مع المعارضة بل لبعضهم العضوية الكاملة، كيف يمكن أن يضع دستورا في تلك الظروف ويكون دستوراً قومياً ومحققاً للسلام... دع عنك الديمقراطية.
مهما كان تطور الأحوال فإن النظرة الجادة والعميقة لبداية تدخل الأمم المتحدة في النزاع القائم بين الأطراف السودانية قد يكون بداية لتدخل أكبر وأعمق، وقد يكون مدخلا لحل الخلاف بما يقرب بين طرفي المعادلة: الحكومة والحركة وأحزاب المعارضة.
الكل يأمل في أن تتقدم المحادثات خطوة ويتحقق قدر من القومية حفاظاً على الاتفاقية التي تم إنجازها بعد جهد استمر 3 سنوات.