عُقدت في مدينة إسلام أباد بين 26-28 مايو الماضي ندوة دولية بعنوان "التشريع الجنائي الإسلامي وحقوق الإنسان" نظمها مجلس الأيديولوجية الإسلامية التابع لرئاسة الجمهورية الباكستانية. وافتتحها رئيس الجمهورية بنفسه، مبينا أهمية التحديث والتجديد والاجتهاد والتكيف مع ظروف العصر. وكان لي شرف إلقاء المحاضرة الافتتاحية بعده أمام خمسمائة من علماء باكستان، وممثلي الدول الأجنبية، وبعض أجهزة الإعلام.
وكان الدافع وراء إنشاء هذا المجلس هو تجديد العلوم الإسلامية الموروثة بما يتفق مع روح العصر، وتحقيقاً لأصل الاجتهاد، وهو أحد واجبات علماء الأمة. وكان من أهم إنجازاته إعادة النظر في قانون العقوبات في تطبيق الشريعة الإسلامية وهي المصدر الرئيسي للدستور الباكستاني. فقد قامت دولة باكستان على أساس الإسلام بعد تقسيم الهند إثر الصراع الطائفي بين المسلمين والهندوس الذي لم تنجح حركة المقاومة السلمية عند غاندي ولا حزب المؤتمر القومي عند نهرو في إيقافه.
وكان الدافع لتناول هذا الموضوع في ندوة دولية هو الهجوم المستمر للمستشرقين وأجهزة الإعلام الغربية على الإسلام كدين وحضارة وثقافة، وعلى المسلمين كشعوب ودول وحكومات بأننا مازلنا نعيش في الماضي، ولم نتكيف مع معطيات العصر، وأن هناك صراع حضارات بين الإسلام والغرب. يربط الإسلام بالتخلف والقسوة والإرهاب والعنف والتسلط والقهر والتعذيب وخرق حقوق الإنسان في مقابل حضارة الغرب، نموذج التقدم والحرية والسلام والحوار والديمقراطية وموطن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويكون هذا الصراع الحضاري مقدمة لتبرير الغزو على الشعوب الإسلامية بدعوى الإرهاب، والعنف، وامتلاك أسلحة الدمار الشامل. وبمثل هذه الذرائع تم غزو أفغانستان والعراق والشيشان. ويستمر التهديد لإيران وسوريا ولبنان والسودان، وبالرغم من أن الواقع يكشف عن هذا الادعاء بعد فضائح التعذيب في سجن أبو غريب وجوانتانامو، وتعذيب بعض معتقليه في بعض النظم السياسية العربية، وتأييد الغرب لأبشع النظم التسلطية خارج حدوده، واستعماله المعيار المزدوج في حكمه على الآخرين إلا أن تشويه الحضارات والشعوب اللاأوروبية مازال مستمرا.
ومن الداخل يوجه العلمانيون مثل هذا الانتقاد للتشريع الجنائي الإسلامي خاصة العقوبات البدنية ضد دفاع السلفيين والمحافظين عنها. ويطالبون بتطبيق القانون المدني الحديث نظرا لما قد يسببه تطبيق الشريعة الإسلامية في الظروف الحالية من خطورة على وحدة الأوطان، والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. وقد تم تطبيق القانون المدني الحديث في كثير من البلدان العربية والإسلامية إبان تجارب التحديث في القرنين الأخيرين منذ أن عرّب الطهطاوي قانون نابليون "الشَّرطة"، ومحاولات إعادة قوانين الأحوال الشخصية وإلغاء المحاكم الشرعية.
ويقف المجددون موقفا وسطا بين السلفيين والعلمانيين من أجل تحديث الشريعة إعمالا لمبدأ الاجتهاد. وأنشئت لجان متخصصة لتقنين الشريعة الإسلامية بناء على ظروف العصر الحاضر. فقد أدى التطبيق الحرفي للشريعة الإسلامية إلى خطرين عظيمين. الأول تهديد وحدة الأوطان في البلاد متعددة الثقافات مثل بعض البلدان الأفريقية التي في شمالها يقطن المسلمون عرباً وأفارقة، وفي جنوبها الأفارقة مسيحيين أو ذوي ديانات محلية مثل السودان، ونيجيريا، وتشاد ومالي، أو في بعض البلدان المتعددة الطوائف مثل لبنان ومصر وسوريا والأردن والعراق. والثاني الاصطدام مع حقوق الإنسان ومواثيقها التي أقرتها الأمم المتحدة وفي مقدمتها "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" والإعلانات الأخرى عن حقوق المرأة والطفل والشيخ والأقليات. فمن حق الذمي ألا يطبق عليه الحد. ومن حق المرأة والرجل الاحترام دون التشهير العلني. والجسد حق من حقوق الفرد، لا يجوز بتر أعضائه أو تعذيبه أو حتى القصاص فيه جزئياً أو كلياً تحت أي ظرف وإلا نشأ مجتمع من المشوهين والعاطلين. وبالرغم من أن حقوق الإنسان مشروطة بالثقافات المحلية مثل حق الإجهاض والشذوذ الجنسي والعري في الثقافة الغربية دون غيرها، وحقوق الإنسان الفردي دون حقوق الشعوب في "الإعلان العالمي"، وبالرغم من الازدواجية في التطبيق بين الإنسان الأوروبي والإنسان غير الأوروبي إلا أنها أصبحت عالمية نظرا لسيادة الثقافة الغربية في إعلان مواثيقها وسيطرة القوى الغربية على المنظمات الدولية في إصدار قراراتها. ومن ثم أصبحت ثقافة عالمية بفعل القوة ومن لا يلتزم بها يصبح خارجا على الشرعية الدولية ويستحق العقاب.
وقد حاول ذلك من قبل عبدالقادر عودة في "التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي" الذي صدر في جزأين قبل أن يستشهد في 1954، جمعا بين الخصوصية الإسلامية والعمومية القانونية. ووضعت في إطارها التاريخي القديم والحديث. فقد كانت كثير من التشريعات الجنائية الإسلامية لها ما يشابهها في التشريعات الفارسية والرومانية القديمة مثل الصلب، وقطع يد السارق. وكان الرجم عقابا على الزنا في الشريعة اليهودية. و