مجتمع الإمارات ليس مجتمعا ملائكيا، ولكنه بالتأكيد أيضا ليس المجتمع الذي يمكن أن يفرز عنفا بالقدر الذي انعكس في بعض الجرائم التي ارتكبت مؤخرا في بعض مدن الدولة، وأبرزها تلك الجريمة التي ارتكبتها عصابة من رعايا إحدى الدول الآسيوية وراح ضحيتها مسن يبلغ من العمر نحو 75 عاما بمنطقة العوير بدبي، وذلك بهدف سرقة خزانة مالية اعتقد القتلة أنها تحتضن أحلامهم المالية غير المشروعة. وهذه النوعية من الجرائم دخيلة على مجتمعنا ولكنها تتطلب ماهو أكثر من الحديث عن كونها أحد الإفرازات السلبية للعمالة الوافدة. فهذه الجريمة البشعة تحديدا تبدو لافتة من أوجه عدة، أولها أن مرتكبيها ليسوا من فئة العمالة الهاربة أو المقيمين غير الشرعيين كما قد يذهب الظن للوهلة الأولى، بل إن مرتكبيها يعملون في أماكن عدة، مايعني أن لهم وظيفة ودخلا ماديا ثابتا. والأمر الثاني أن الجريمة لم تنتج عما يصفه البعض بسوء المعاملة للعمال والخدم، فالضحية لم يكن على علاقة مباشرة من أي نوع بهؤلاء المجرمين، وكل ما كان يربطه بهم أن أحدهم يعمل لدى عائلة على صلة بالضحية وسولت له نفسه تدبير الجريمة للاستيلاء على الأموال. والأمر الثالث هو الجرأة اللافتة في تنفيذ جريمة بهذه البشاعة في منطقة ذات طابع سكني خاص من حيث كثافة العائلات المواطنة. والأمر الرابع أن أفراد هذا التشكيل العصابي قد تجمعوا من مناطق مختلفة ويقيمون في أكثر من إمارة ما يعني أن الانحراف السلوكي هو القاسم المشترك بينهم رغم تباعد المسافات الجغرافية، الأمر الذي يلفت الانتباه إلى طبيعة تفكير هذه العناصر الإجرامية التي تركز جيدا على تضليل رجال العدالة والنأي بنفسها عن أي شبهات قبل ارتكاب جرائمها وبعده.
وإذا كانت الأجهزة الشرطية قد أكدت أن نشر الجريمة يهدف إلى بث الطمأنينة في نفوس الكثير من المواطنين الذين روعوا جراء ارتكاب جريمة بهذه البشاعة، والتأكيد على جاهزية رجال الأمن وفاعليتهم، فإن تسليط الضوء على هذه الجريمة وجرائم أخرى مثل قتل طالب بإمارة أم القيوين أمام منزله بطريقة غريبة ولافتة وتستحق بالفعل التحليل والدراسة من فرط بشاعتها وطغيان عامل الانتقام والثأر الشخصي فيها، ينبغي أن يلفت انتباه الأوساط العلمية المتخصصة إلى رصد هذه التحولات والتغيرات السلوكية المجتمعية مهما كانت محدودية معدلات حدوثها.
صحيح أن الجريمة أمر وارد في أي مجتمع إنساني، ولكن جرائم من هذه النوعية البشعة لا تبدو عادية وتستحق الانتباه والدراسة والتحليل باعتبار ذلك أحد المداخل الحيوية للتعامل منهجيا وعلميا مع الفكر الإجرامي، في محاولة لفهم سمات بيئة الإجرام والمجرمين واستباق خطواتهم عن طريق تشخيص الأسباب وتحليل الدوافع ووضع الخطوات الوقائية من هكذا جرائم بمشاركة جميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية من بيوت ومدارس ودور عبادة ووسائل إعلام وقادة رأي وجمعيات أهلية وغير ذلك من أدوات التأثير والتوجيه الاجتماعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية