تحدثت بعض الأقلام بموضوعية ونبهت ولفتت الأنظار محذرة مما يمكن وصفه بـ"اختطاف" بعض الجهات مثل الجمعيات التعاونية للجهود الرامية إلى الحد من ارتفاع الأسعار، وتوجيه هذه الضغوط لمصلحتها وتعزيز موقفها في مواجهة محلات الـ"هايبر ماركت" في صراع السيطرة على السوق. ويبدو أن هذا ما حدث بالفعل أو هكذا يفهم مما كشفت عنه صحيفة "الاتحاد" أمس حين أكدت أن التعاونيات خرجت من معركة رفع الأسعار رابحة غانمة مكاسب كبيرة، وأن علاقة الصراع الظاهرية والمعارك المفتعلة التي يقال إن الجمعيات التعاونية تخوضها ليست سوى غطاء وهمي لعلاقات مصالح مشتركة وروابط تجارية قوية مع الموردين. وقد لا يكون هناك خلاف كبير على حق الجمعيات التعاونية في تحقيق إيرادات ربحية بالطريقة التجارية التي تراها مناسبة ما دام ذلك يتم عبر آليات وطرق ليست على حساب المستهلك، سواء من خلال تأجير أماكن عرض السلع أو اشتراك الموردين في الحملات الترويجية والعروض التخفيضية واستفادة الجمعيات من فروقات التخفيض التي يعرضها المورد من ناحية والسعر النهائي الذي تعرضه الجمعيات في عروضها التجارية من ناحية ثانية، ولكن ما يلفت الانتباه أن بعض ما كشفت عنه "الاتحاد" يشير إلى أن الجمعيات التي تشكو من سيطرة الموردين وتأثير الاحتكارات التجارية، تبدو في موقف قوي في مواجهة من تشكو منهم بل وتفرض عليهم نسب تخفيضات حسبما ترى، وهذا لا يلغي بالطبع ما كانت الجمعيات تتحدث عنه بشأن الاحتكارات وممارسات الموردين ولكنه يلفت الانتباه إلى أنها ليست بريئة تماما من هذه الممارسات.
وفي هذا الإطار، كان البعض قد أشار إلى أن الجمعيات تتحرك في معركة الأسعار من واقع فكر تجاري محض تسعى من ورائه إلى تعظيم استفادتها وضرب عصفورين أو ربما أكثر بحجر واحد، فهي تريد كسر شوكة المحتكرين وإنهاء سيطرتهم على السوق ولكن من خلال الضغط باتجاه استصدار قرار بإلغاء الوكالات والسماح لها بالاستيراد ومن ثم وضع نفسها موضع هؤلاء المحتكرين والاضطلاع بمهمة التوريد بحيث تصبح المسألة مجرد تغيير أقنعة من دون فائدة تذكر للمستهلك. والمكسب الثاني هو الحصول على عائدات أرباح التوريد والتوزيع والبيع بالتجزئة في آن واحد من خلال لعب أدوار متعددة. والمكسب الثالث هو إضعاف موقف منافسيها في السوق دعائياً وتسويقياً وبالتالي ربحياً وهكذا تتوالى المكاسب وتتعدد الفوائد من دون تحقيق للهدف الحقيقي الذي يسعى إليه الجميع وهو السيطرة على الأسعار. المسألة إذاً واضحة ولكنها متشابكة، ويصعب اختزالها في جشع موردين أجانب أو "وطنية" رساميل محلية، فشبكة المصالح بين الطرفين ممتدة ومتجذرة، والتنافس التجاري يدفع كلا منهما إلى اللعب بعواطف المستهلكين واستغلال هذه الأجواء لمصلحته، في حين أن الأساس هو الاحتكارات وابتزاز جيوب المستهلكين وعواطفهم وغير ذلك من ممارسات ينبغي مواجهتها بحزم، سواء كانت من جانب الجمعيات أو الموردين الأجانب، بعيدا عن التصريحات النارية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية