تكاد جمعيات النفع العام تختفي، لولا بعض العوائق التي تواجهها وتكتب عنها الصحف.
وقد عانت هذه الجمعيات إلى أجل غير مسمى.
العمل التطوعي، عمل إنساني نبيل صرف, ينم عن خلفية اجتماعية عالية الإحساس بظروف المجتمع وبنيته. والمتطوع شخص إيجابي فاعل ومؤمن بفكرة التكامل الاجتماعي وأهمية دوره في النسق الاجتماعي العام.
لكن أين هم المتطوعون؟ بل أين جمعيات النفع العام التي تحث وتشجع على استقبال متطوعين؟
يبدو أن غياب معايير قياس نجاح الجمعيات وإخفاقها، جعل دورها في تراجع دائم، إن لم يكن اختفاءً تاماً وشللاً غير معروف العلة والعلاج. فالجمعيات سقطت في فخ من روتين ومصالح شخصية وقوانين ملزمة من وزارة العمل، جعلت تراجع دورها الريادي في استمرار، وصار خط النزول في قياس فاعلية هذه الجمعيات واضحاً وشاهداً للعيان. الأمر الذي أورث حالة يأس عام وقلق من مصير مثل هذه الجمعيات الخدمية المهمة، والتي هي بلا شك منطلق حضاري أساسي في قياس مجتمع معني بالتحضر والرقي.
ولعل الجامعة - أو الجامعات بعد هذا التعدد في أماكن تفريخ مخرجات واعدة- كانت معنية بمثل هؤلاء المتطوعين الذين اعتادوا على العمل الطلابي، الذي لا ينتظر من ورائه أي مردود مادي، الأمر الذي يعني أن يكون هناك أفراد إيجابيون ولديهم رغبة وحافز في العطاء، وإحساسهم بالمسؤولية الاجتماعية نابع من صدق الرغبة في المشاركة في العمل الأهلي. لكن لأن النظام الجامعي لم يعد بتلك المرونة وصارت شروط الحضور والغياب غير معنية بإنتاجية الطلاب مما جعل غياب فئة الشباب في مثل هذه الجمعيات ملاحظاً خاصة في السنوات الخمس الأخيرة.
هذا القصور في تقييم دور الجامعات الريادية ليس فقط في مخرجات ملقنة بتعليم أكاديمي، بل في تجاهل دورها الأهم، وهو تعزيز مفاهيم الطالب الاجتماعية وواجبه تجاه مجتمعه عزز هذا الغياب والتراجع في عمل مثل هذه الجمعيات. ولعل هذا يبرر غياب فئة الشباب والجيل الجديد في العديد من الجمعيات التطوعية التي كانت ذات ريادة في العمل الاجتماعي.
إلا أن المشكلة التي حدثت منذ فترة بين جمعية حماية المستهلك ووزارة العمل وتراشق الاتهامات، قالت بصراحة إن هناك حلقة مفقودة بين الوزارة والجمعيات، وهو أمر في غاية الأهمية ويعطي انطباعاً فورياً أن دور الوزارة الغائب عزز من التراجع في أنشطة مثل هذه الجمعيات.
ربما كانت حقبة الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي، حقبة ذهبية في قياس حضور هذه الجمعيات في العمل الاجتماعي العام. لكن اليوم أي ذهبت؟
موجودة نعم، لكن وجود هلامي، متردد، غير واضح، لدرجة أن هذا الغياب أورد الكثير من الأسئلة والحسرات على عمل جميل إنساني محض وانعكاساته لها مردودها الخطير على المجتمع بكل فئاته.
هل دور الوزارة في إنعاش هذه الجمعيات، أم الدماء الجديدة المفتقدة التي تحتاج إلى جذب ودعم، أم ترهل ما أصاب بناء مثل هذه الجمعيات يحتاج إلى عملية تجميل سريعة ومؤكدة؟
كل ما يمكن أن يقال وارد، لكن الأخطر أن غياب هذه الجمعيات ليس من صالح أحد، بل على العكس تكريس هذا الغياب يعني نهاية حتمية لصوت المجتمع بعمقه وشموليته وبصالحه العام، وغياب عمل له نتائج فورية وبعيدة المدى، وينتج أناساً على قدر من الاستيعاب لضرورة تكافلهم ليكون المجتمع في حالة صحية جيدة.