إنها ثورة بلا اسم ولا عنوان, غير أن لها آيديولوجيتها المعادية للحرفية والخبرة. وها نحن نرى تجليات هذه الثورة على امتداد العالم بأسره, وفي أماكن غريبة ومتباعدة عن بعضها بعضاً, هنا في عيادة طبيب ما, وهناك في بقالة أو سوبرماركت, بل وحتى في مقار ودواوين حكام الولايات. ثم هناك ثورة الانفجار المعلوماتي, حيث يقدم ملايين الناس أفكارهم على أمل أن يقرأها الآخرون ويقفون عندها. ولما كان الأدعياء المعلوماتيون يمسكون بتلابيب كافة القضايا والأمور المثارة من فن البساتين وتنسيق الحدائق وحتى الخدع التي تمارسها كوريا الشمالية فيما يتصل ببرامجها النووية, فإنهم لا شك يثيرون غضب وحنق المحررين والصحفيين المحترفين, الذين أمضوا السنوات في دراسة هذه القضايا ومتابعتها. ومن الطبيعي أن يثير هؤلاء أسئلة مشروعة, حول مدى مصداقية الأدعياء والمتطفلين على المهنة. لكن وفي المقابل يتساءل الأدعياء والمتطفلون من جانبهم, حول جدوى الاعتماد على الصحافة التقليدية, طالما أن صحيفة كبيرة بحجم "نيويورك تايمز" قد أقرت مؤخراً بعدم صدقية بعض التغطيات والتقارير التي نشرتها من قبل, وأن تلك المواد كانت مزيجاً من أنصاف الحقائق والسرقات الأدبية. كما يثيرون الشكوك نفسها, عندما يفقد صحفي معروف مثل دان راذر مصداقيته في النشرات التلفزيونية الإخبارية, جراء بثه هجوماً قائماً على معلومات ضعيفة المصادر والثقة, عن خدمة الرئيس جورج بوش في قوات الاحتياطي الجوية, عندما كان شاباً. ثم ماذا عن ذلك التقرير الذي نشرته مؤخراً مجلة "نيوزويك" عن تدنيس الجنود الأميركيين للقرآن في سجن جوانتانامو, وما نشأ عنه من ردود أفعال وتساؤلات دولية, حول أيهما يكون أولى بالمصداقية: المجلة التي نشرت التقرير والمعلومات ثم تراجعت عنها تحت الضغوط, أم التقرير الأصلي الذي أثار ردود الأفعال العنيفة هذه؟
وبالطبع فقد ظل الناس دائماً على شكوكهم وريبتهم إزاء كل ما تبثه وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء, في الدول التي تسيطر فيها الحكومات على قنوات الصحافة والإعلام. بيد أنه ليس متوقعاً أن تثور الشكوك والريبة ذاتها في الدول الديمقراطية, التي يتمتع فيها الإعلام بالحرية والاستقلالية عن الجهاز الحكومي. على أن الفضائح الإعلامية التي ضربت الإعلام الأميركي مؤخراً, ليست قاصرة على الولايات المتحدة وحدها. ففي فرنسا مثلاً, لم تسلم المصداقية والموثوقية التي تتمتع بها صحيفتها الرئيسية "لوموند" من حملة الانتقادات الحادة مؤخراً. أما في اليابان, فقد بدأ الكثيرون ينظرون إلى التيار الرئيسي من الخدمة الإعلامية هناك, على أنه أكثر قرباً والتصاقاً بالجهاز التنفيذي الحكومي.
وفي المجال السياسي, ربما تجلى هذا الشك المتنامي إزاء الحرفية والخبرة المهنية أكثر من غيره. فمنذ وقت ليس بالقريب, ظل في مقدور المرشحين المتنافسين في الانتخابات, الفوز بأصوات الناخبين اعتماداً على طول خبرتهم السياسية وفي العمل العام. أما اليوم فقد أصبح الاتجاه الغالب هو تنصل الكثيرين من ربط خوضهم للانتخابات الخاصة بالمسؤوليات الدنيا في الجهاز الحكومي, بأي خبرة سياسية سابقة. فعلى سبيل المثال, لم يكن أرنولد شوارزينجر, بحاجة لأكثر من مجرد تأكيد خبرته السابقة في مجالي التمثيل وبناء وكمال الأجسام, كي يتأهل للفوز بمنصب حاكم ولاية كاليفورنيا, على رغم شراسة المعركة الانتخابية التي تنافس فيها ما يزيد على 100 مرشح!! والملاحظ أنه لم تكن ثمة تجربة سابقة لأي من هؤلاء المرشحين, في تولي منصب سياسي عام من قبل. وقد اقتفى شوارزينجر في ذلك, أثر المصارع المحترف جيسي فينتورا الذي سبق له أن فاز في وقت مبكر من العام الحالي بمنصب حاكم ولاية منيسوتا. والسؤال الذي لابد من إثارته هو: ما الذي يؤهل ممثلاً أو مصارعاً أو رياضياً, للفوز بمنصب سياسي عام؟ والإجابة على هذا السؤال –عند النظر إلى واقع الانتخابات الأميركية وانتخابات العديد من الدول والديمقراطيات الغربية الأخرى, هي أن حزباً جديداً بدأ يخطف الضوء من الأحزاب التقليدية المعروفة. إنه "حزب النجوم"- ولم لا؟ ذلك هو ما أثاره أحد المجادلين عبر شبكة الإنترنت, متولياً الإجابة الذاتية على سؤاله بالقول: فقد أصبحنا أكثر حاجة من قبل, إلى من يتولى إدارة وتصريف الشؤون العامة من غير الساسة التقليديين. فهؤلاء تقع عليهم بالكامل المسؤولية عن كل الفوضى التي نعيشها الآن. وفيما إذا كان في وسع شوارزينجر أن يصبح حاكماً لإحدى الولايات –وهو كذلك بالفعل الآن- فهل لا يزال بعيداً ذلك اليوم الذي يمكن أن يصبح فيه "ستالون" رئيساً للولايات المتحدة الأميركية؟
وكما سبق القول فإن هذا التوجه الفضولي السياسي نحو النجوم, ليس بالظاهرة الأميركية فحسب. فقد سبق للممثل الفلبيني جوزيف سترادا, أن تولى منصب الرئاسة منذ عام 1998 وحتى عام 2001. أما في اليابان, فيتولى الروائي شينتارو إيشيهارا منصب حاكم منطقة طوكيو. بيد أن الهند هي التي احتلت المكانة الأرفع في ظاهرة الصعود السياسي للنجوم.