تحت عنوان "سراب الوحدة الأوروبية" نشرت "وجهات نظر" يوم الأحد 5-6-2005 مقالاً لزميل مجلس العلاقات الخارجية "ماكس بوت"، أنهاه باقتباس تصريحات وردت على لسان رئيسة وزراء بريطانيا السابقة "مارغريت تاتشر" تتمحور حول ضرورة تخفيض حجم الأجهزة الإدارية في الدول الأوروبية وكسر شوكة النقابات والاتحادات العمالية، كي تستطيع هذه الدول تعزيز نموها الاقتصادي. هذه التصريحات لا يمكن أن تكون ذات مصداقية، لا سيما وأنها صدرت من شخصية تنتمي إلى حزب "المحافظين" البريطاني المعروف بموقفه الرافض لأوروبا الموحدة، إضافة إلى أن بريطانيا في ظل حكومة "العمال" لا تزال متلكئة في الانضمام إلى العملة الأوروبية الموحدة، وهي سياسة تعكس التوجهات الانعزالية المترسخة في ذهنية صانع القرار البريطاني. الغريب أيضاً أن الكاتب وقع في تناقض واضح، وذلك عندما أثنى على السياسات التي اتخذها القادة الأوروبيون للحد من الحواجز التجارية وتثبيت سعر صرف العملة، ثم وجه لوماً لحكام أوروبا كونهم صاغوا دستوراً لا يحقق طموحات الشارع الأوروبي، ويعكس هوة شاسعة بين النخب السياسية وعامة الأوروبيين، وذلك على رغم أن مسودة الدستور تضع الاتحاد الأوروبي على بداية مرحلة جديدة يمارس فيها دوراً دولياً واضحاً، حيث تحدد مسودة الدستور منصبي رئيس الاتحاد الأوروبي ووزير خارجيته.
غير أنه من الواضح أن السياسات الاشتراكية التي تنتهجها بعض الدول الأوروبية ستتضرر في حال تطبيق الدستور الموحد، وهذا هو السبب الرئيسي الذي يفسر لنا رفض الهولنديين والفرنسيين للدستور. لكن على الكاتب أن يدرك حقيقة هي أن رفض الدستور الأوروبي لا يعني رفض الاتحاد الأوروبي برمته، وربما يكون الجدل الدائر الآن حول الدستور بداية مرحلة جديدة لأوروبا موحدة وأكثر واقعية من ذي قبل.
وللإنصاف أيضاً لا يمكن إنكار النجاحات التي حققها الاتحاد الأوروبي، خاصة في مجال توحيد العملة والتوصل إلى سياسات مشتركة في مجالات الاقتصاد والتجارة، غير أنه كلما اقترب الاتحاد من خطوات أكبر للتكامل، تزداد مهمة القادة الأوروبيين صعوبة، كونهم ملزمين بإقناع الشارع الأوروبي بحتمية استكمال خطى التكامل الأوروبية.
إسماعيل نجيب- دبي