بعد شهادته التاريخية أمام الكونجرس، بخصوص علاقته ببرنامج النفط مقابل الغذاء، وهجومه الشديد على الكونجرس وأعضائه والرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، والذي وصل في حدته إلى درجة أن وصفهم بأنهم "صهيونيون - محافظون جدد - مضللون - محتالون - مزيفو حقائق - تلاميذ فاشلون - غوغائيون - محبون للحرب - أثاروا سحباً كثيرة من الدخان لحجب الحقائق - غير واعين بأن العالم يراهم بوصفهم الأشرار، وأن تقريرهم الخاص بالاتهامات ما هو إلا ملف من إعداد تلميذ مبتدئ، مليء بالثغرات والأكاذيب", جاء حديث جورج غالاوي النائب البريطاني ورئيس حزب "الاحترام" لقناة "الجزيرة" مكملاً لهذه الشهادة، وكاشفاً لأبعاد المؤامرة والمخطط الاستعماري في المنطقة، وسياسة القبح الأميركي ذات النوايا الاستعمارية التي تتحرك الآن في جسد الأمة العربية والإسلامية بأقنعة ووسائل غاية في الدقة والخبث، حيث كان حريصاً في حديثه على توضيح هذه الصورة بمستوى عالٍ من الجرأة والشجاعة والإدراك لما يدبر من مؤامرات في كواليس السياسة الغربية ضد الوطن العربي، والتي يخشى الكثير من الإفصاح عنها أو مواجهة أصحابها. لقد فجّر جورج غالاوي في حديثه العديد من الألغام والحقائق المسكوت عنها، وأوضح الكثير مما يدس لنا على هيئة سم قاتل في سياسة الغرب التي يحاول البعض إخفاءها بأقنعة عديدة. كشف لنا بصورة واضحة زيف الإعلام الغربي وحقيقة دوره في قلب الحقائق وإدارة لغة التضليل التي تمارس ضد الشعوب الغربية. كشف لنا ثقافة الكذب ومفهوم الحرية والتعبير ووجه الديمقراطية المزيف عند الغرب. واعتبر كل هذا مؤامرة كبيرة ضد الحقيقة. دافع عن العرب أكثر مما يدافع العرب عن أنفسهم. وقال بصراحة إنه مصمم على خوض معركة في بريطانيا تهدف إلى سحب آخر جندي بريطاني من احتلال العراق، وأكد على حق تعويض الشعب الفلسطيني عندما قال، إن على بريطانيا أن تدفع تعويضات خسائر حرب إلى الشعب الفلسطيني عما فعله وعد "بلفور" بهم، وأرسل رسالة مهمة للغرب تقول إن الشعب العربي شعب قوي لا يستسلم بسهولة، شعب لديه مستوى عالٍ من روح المقاومة والتحدي والإرادة والإنجاز. شعب تاريخه مليء بالبطولات والأبطال، روح المقاومة جاءت أصلاً إلى العالم من العرب، أي أن العرب علموا العالم ماذا يعني مفهوم المقاومة، وأبسط مثال ما فعله أطفال الحجارة في فلسطين، وما فعلته الانتفاضة بإسرائيل، وما قامت به المقاومة اللبنانية في الجنوب وما تقوم به المقاومة في العراق. طالب حكام العرب بتغيير منهج الاستسلام السياسي في خطابهم مع الغرب وألا يذهبوا إلى واشنطن للإصغاء والاستسلام وقول ما تريد واشنطن سماعه، بل يجب أن تكون لهم قوة وصوت ولغة جديدة تحفظ لهم حقوقهم وتفرض على واشنطن الاعتراف بقوتهم وحقوقهم... حذر مما يجري في العراق واعتبر غزو العراق بداية المؤامرة التي ستمتد إلى الوطن العربي لتفتيته.
وأتوقف هنا عند نقطة الانتصار على القوى، التي جاءت في حديثه، والتي تكاد تكون مفقودة في حديث الكثيرين في عملية الانتصار على القوى حيث يجب أن نقرأها جيداً خاصة عندما قال: إنني أقف في معركتي ضد قوة عظمى أتحداها بقوة الإيمان، لا أخشى إلا الله، لا أخشى هؤلاء الناس، لا أخشى بلير، لا أخشى بوش... أنا أخاف الله فقط، نحن نمر عبر هذه الحياة وسوف نساءل عما فعلناه في هذه الحياة، هذا ما أخشاه. أما هؤلاء فيمكنهم أن يفعلوا أي شيء ضدي، إنهم أقوياء ولكن قوتي وإيماني هي بيد الله.
في بريطانيا هناك سياسي آخر ثابت في مواقفه الدفاعية عن العرب بكل قوة، إنه كين لفنغستون عمدة لندن، الذي اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وأدان غزو بيروت عام 1982 وخرج في تظاهرات ضد الحرب على أفغانستان والعراق، ووقف مع الدكتور يوسف القرضاوي ضد الصهيونية واللوبي اليهودي في بريطانيا وطلب محاكمة شارون كمجرم حرب.
هذه المواقف تثير الإعجاب والفخر والدهشة، وتدعونا إلى التأمل والوقوف بقوة مع هؤلاء الرجال، خصوصاً في زمن الانكسار العربي، إنهم يدافعون عن حقوقنا العربية في الغرب أكثر مما ندافع نحن عن هذه الحقوق.