أعتقد أن الكاتب محمد عارف قد بالغ في تقييمه للوضع الراهن في أوروبا بعد رفض الشعبين الفرنسي والهولندي، وربما يلحق بهم آخرون، للدستور الأوروبي الموحد. ففي مقاله:"هل يُنهي رفض اتفاقية الدستور الحلم الأوروبي؟"، يوم الخميس الماضي، لمست أن تحليله للموضوع يأتي من خلال حادثة رفض الدستور فقط، في حين أن هناك عدة أمور تساعد على بقاء الوحدة الأوروبية متماسكة وقوية حتى لو ضعفت في جانب تطبيق الدستور الموحد.
إن ما يجمع الشعوب الأوروبية هو حبها للوحدة والقوة في مواجهة القوة الأميركية العظمى، ولذلك ستجد أن الشعبين الفرنسي والهولندي، على سبيل المثال، يتركان الدستور الموحد جانباً للحديث عن دعم ميزانية الاتحاد الأوروبي والحفاظ على التماسك في كافة جوانب الوحدة الأوروبية اقتصادياً خوفاً من الذوبان في بوتقة الخلافات التي أعقبت رفض الدستور.
إنني أميل للاعتقاد بأن الكاتب لم يراجع الاتفاقية الأوروبية التي أسست الاتحاد بين الدول الأوروبية على دفعات، ولو فعل هذا الأمر لاكتشف بأن الأوروبيين يتفقون على بنود كثيرة منها، وقد قاموا بالفعل بتطبيقها على أرض الواقع، وربما لا يخفى على الكاتب أن العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" مثال واقعي على ذلك، حتى أن الرفض الأوروبي للدستور تبعته مباشرة كتابات في الصحف الفرنسية والهولندية عن أهمية الحفاظ على الجسد الأوروبي خالياً من العلل والأمراض التي تأتي من الفرقة والتشرذم، وتبعتها أيضاً دعوات لقيادات الدول الأوروبية بألا تقف عند حدود الدستور وتترك الباب مفتوحاً لدخول رياح مسممة للجو الأوروبي النقي.
محمود بوشاف- باريس