إن الظمأ الهندي المتزايد على الدوام للطاقة والذي غذاه ازدهار اقتصادي مستمر لما يزيد على عقد من الزمان، يقوم الآن وبشكل هادئ بإعادة صياغة الطريقة التي تتعامل بها الهند في هذا العالم، كما يغير في طبيعة علاقاتها مع الجيران، ويدفعها لمحاولة الوصول إلى دول نفطية بعيدة مثل السودان وفنزويلا، والتغلب على مقاومة واشنطن لطموحاتها النووية.
وسعي الهند إلى الطاقة يواجه تهديدا من أكبر دولة منافسة لها وهي الصين. وشهية العملاقين الآسيويين معا للطاقة أدت - وتؤدي- إلى ارتفاع أسعار النفط، وزيادة الطلب على إمدادات النفط العالمية. بل إن طموحات الطاقة الهندية أدت إلى مستجدات لم يكن من الوارد التفكير فيها منذ عامين مثل قيام الهند بتقديم مقترح لإنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من إيران عبر باكستان، وقيامها بتكوين صداقة جديدة مع الحكومة العسكرية في ميانمار الغنية بالنفط، وإجرائها لمحادثات أولية مع الولايات المتحدة للسماح لها بشراء التقنية النووية.
ومن المتوقع لموضوع الطاقة النووية أن يتصدر أجندة المحادثات الأميركية الهندية وذلك عندما يقوم رئيس الوزراء الهندي "مانموهن سنغ" بزيارة واشنطن في شهر يوليو القادم.
وعلى الرغم من أن الهند ترغب بشدة في الحصول على معدات جديدة لتعزيز برنامجها المحدود لتوليد الطاقة النووية، فإن الولايات المتحدة حظرت بيع لوازم الطاقة النووية إلى الهند منذ أن قامت بإجراء تجربة على قنبلة نووية عام 1998.
ولكي نفهم مدى حاجة الهند إلى الطاقة علينا أن نضع في اعتبارنا المصير الذي آلت إليه عاصمتها التجارية "ممباي" والتي كانت تعرف سابقا باسم "بومباي" وذلك عندما عاشت في ظلام دامس في شهر مايو الماضي بسبب النقص الشديد في إمدادات الطاقة. وفي الوقت الحالي، ينخرط رئيس الوزراء الهندي في مناقشة سياسية حامية الوطيس مع أحزاب اليسار، التي تلمح إلى أن الحكومة تقوم بتقليص كميات الطاقة المجانية التي كانت تقوم بتوفيرها للفلاحين. ومن المعروف أن الهند وهي خامس أكبر دولة في استهلاك الطاقة في العالم تستهلك 538 مليون طن من النفط يوميا وفقا لإحصائيات وكالة الطاقة الدولية لعام 2002 وهو رقم يتوقع له أن يتضاعف بحلول عام 2030.
وتستورد الهند في الوقت الراهن 70 في المئة من احتياجاتها من النفط، وخلال العشرين عاما المقبلة تقدر الحكومة الهندية أن هذه النسبة سترتفع لتصل إلى 85 في المئة، كما تتوقع أن يزيد طلبها من الغاز الطبيعي وأن يتم استيراد معظمه من الخارج. والتطور الاقتصادي الهندي سوف يجعل من سياسة "الاعتماد المتبادل" السياسة المثلى في تعامل الهند مع الدول الآسيوية الأخرى. وتحقيق هذه الرؤية لا يخلو من صعوبات عديدة بالطبع. فالهند على الرغم من أنها تحاول تقديم نفسها كنموذج للدول الديمقراطية التعددية إلا أنها تقوم في إطار سعيها لتوفير حاجتها من النفط بمد يدها إلى بعض الحكومات السلطوية مثل السودان وميانمار. ومن الصعوبات التي تواجهها الهند في تحقيق تلك الرؤية أيضا ذلك التنافس الشرس بينها وبين الصين على استيراد الغاز والنفط من تلك الدول. وتضاف إلى ذلك أيضا الصعوبات التي تواجهها في إقناع بنغلادش بالموافقة - من حيث المبدأ على الأقل - على بناء خط أنابيب يقوم بشحن الغاز من ميانمار إلى الهند.
نتيجة لتلك الصعوبات، قام وزير النفط الهندي "آيار" برحلات مكوكية إلى المملكة العربية السعودية أكبر دولة مصدرة للطاقة للهند لإقناع المسؤولين فيها بالاستثمار في مشروعات النفط والغاز الهندية، كما سعى أيضا في مناسبات أخرى إلى إغراء المستثمرين الأجانب بالتنقيب عن الاحتياطات النفطية في خليج البنغال المقابل للساحل الشرقي للهند. وأكثر المشروعات المستقبلية الهندية طموحا هو مشروع إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من إيران إلى الهند مروراً بباكستان. ومن ضمن الأحلام الخيالية الأخرى للوزير "آيار" إنشاء خط أنابيب آخر لنقل الغاز الطبيعي يمتد من تركمانستان عبر أفغانستان وباكستان إلى الهند.
وعلاقات الهند المتغيرة في مجال الطاقة تفرض عليها نوعا من التعامل الدبلوماسي الحذر مع الولايات المتحدة. فمسؤولو إدارة بوش - بما في ذلك كوندوليزا رايس كما بدا خلال زيارتها الأخيرة إلى المنطقة في شهر مارس- يبدون امتعاضا علنيا تجاه خطط الهند للتعامل مع إيران في مجال الطاقة. أخيراً زار مسؤول هندي كبير واشنطن للاجتماع مع وزير الطاقة الأميركي لمناقشة خيارات الطاقة النووية بالنسبة للهند. وليس معروفا على وجه اليقين الآن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستغض الطرف عن خط الأنابيب المقترح مده من إيران أم أنها ستقوم بالنظر في بيع مفاعلات نووية للهند.
ولم يضع "آيار" الفرصة كي يذكر الولايات المتحدة بأن الهند لن تقبل بالتدخل في واحدة من أولويات سياستها الخارجية وهي شراء الغاز الطبيعي من إيران حين قال:"نحن نراعى مصالح واهتمامات الدول الأخرى ونتوقع من باقي الدول في المقابل أن تراعي مصالحنا ومتطلباتنا".
وعندما