ضمن ردود الأفعال التي رصدتها صحيفة "الاتحاد" أمس حول تصريحات معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التربية والتعليم، قالت فعاليات تربوية إن ما تطرق إليه معاليه بشأن امتحانات الثانوية العامة ليس سوى "قشرة صغيرة" في جسد تربوي مريض منذ سنوات طويلة، وهذا الكلام ينطوي على دلالات تستحق وقفة متأنية. وإذا كانت "ملامسة القشور" قد سلّطت الضوء على مستوى تعليمي متردٍّ بهذا الشكل، فكيف يمكن تصوّر أعماق المشكلة، ناهيك بالطبع عن جذورها الضاربة في الضعف والتدهور، ما يعني أن علينا أن ننتظر مفاجآت كثيرة ونحن بصدد فتح "صندوق البندورة" التعليمي، ويبدو أنها مفاجآت ستفوق في حجمها وخطورتها ما طفا على السطح خلال الآونة الأخيرة من ممارسات لا تربوية وقضايا فساد تعليمي.
أطرف ما في المسألة برمّتها أن تصريحات وكلاء وزارة التربية والتعليم تكشف بعمق عن إدراكهم للواقع السيئ ومعرفتهم بعمق المشكلة وحدودها وتأثيراتها، ومع ذلك فلم نكن نسمع صوتاً لأحد في الجهر بهذه المأساة، بل كنا نسمع دوماً تصريحات رنانة عن مسيرتنا التعليمية الناهضة وواقعنا التعليمي الذي ينافس الأنظمة التعليمية في أرقى الدول المتقدمة، رغم الشكاوى المتكررة جراء تدنّي مستوى خريجي الجامعات والأموال التي تنفقها كليات التقنية في تأهيل خريجي الثانوية العامة للتعامل مع مناهج التقنية، ومع ذلك فلم يحرك أحد ساكنا، وهذه بحدّ ذاتها إشكالية عامة تثير التساؤل حول دور القيادات الوسطى في مؤسساتنا ووزاراتنا، فالذين يهللون ويمتدحون السياسات الجديدة هم من كانوا بالأمس يمجّدون ويسوقون السياسات القديمة، وهي قضية قديمة- جديدة تطفو على السطح في كثير من المناسبات، وتعكس بدورها كمّا هائلا من الإشكاليات التي يعانيها النظام الإداري وقواعد الترقيات التي تستند إلى الولاء المطلق للقيادات الأعلى في ظل غياب معايير موضوعية واضحة تكشف السلبيات والإيجابيات وتقيس الأداء وتحدّد الإنجازات وتتلمّس أي أثر لتطور سياسات العمل.
المهم الآن أن هناك إجماعاً تاماً على ضرورة تطوير المناهج والإسراع بهذه الخطوة ويكفي ما أهدرناه من أشهر وسنوات في جدل عقيم حول التطوير وجدواه ومبرراته ومن أين يبدأ وإلى أين ينتهي وغير ذلك من جدليات دفعت المسألة إلى الدوران في حلقة مفرغة. ولنعترف صراحة بأن هناك تياراً يقف ضد تطوير المناهج ويشكّك في الأهداف ويضع العصي في دواليب أي تحرّك بهذا الاتجاه من خلال التشكيك في النوايا وإثارة اللغط والمخاوف سواء بربط التطوير بعوامل خارجية أو بتغذية مخاوف وهمية بشأن ضياع الهوية الدينية والوطنية والتشكيك بالأهداف والنتائج، وإذا استسلمنا للجدل مع هؤلاء، لنا أن نتوقع البقاء "محلك سر" لعقود مقبلة، فالحجج لا تنتهي و"ممارسة" الجدل هي هدف بحدّ ذاته لدى الكثيرين، ولذا فإن المطلوب أن نشقّ طريقا ثالثا، وأن تتكاتف الجهود وتلتقي الإرادات عند نقطة انطلاق واحدة هي مصلحة الأجيال المقبلة بعيداً عن الرؤى الخارقة التي أغرقت نظامنا التعليمي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية