تقول "فيكتوريا دي جرازيا" أستاذة التاريخ بجامعة كولومبيا الأميركية، ومؤلفة الكتاب الذي نقوم بعرضه في هذه المساحة وهو " إمبراطورية لا تقاوم: تقدم أميركا عبر أوروبا القرن العشرين" إنه على الرغم من أن الانتشار العالمي للإمبراطوريات الاستهلاكية الأميركية مثل "ماكدونالد" و Wal-Mart و Starbucks، قد يبدو لدى البعض كظاهرة حديثة تحققت خلال العقود القليلة الماضية فقط، إلا أن الحقيقة هي أن النمط الاستهلاكي الأميركي كان قد حقق فتوحات عديدة في أوروبا على مدار المئة عام الأخيرة، وأن تلك الفتوحات تمثلت في الانتشار الواسع النطاق للعديد من المنتجات الأميركية (السلعية وغيرها) ذات الأسماء المشهورة مثل الكوكاكولا، والبيبسي كولا، وكوداك، وهوليوود والروك أند رول... وغيرها. بعد ذلك تنتقل المؤلفة لتفنيد بعض الاتهامات الأوروبية التقليدية لأميركا ومنها على سبيل المثال أنها دولة تضم مجتمعا بلا جذور، ولا ذكريات مشتركة، ولا شخصية قومية موحدة، وهي تلك الاتهامات التي كانت قد جاءت على لسان كتاب أوروبيين على امتداد فترة القرن ونصف القرن الماضية.
تقول المؤلفة بعد ذلك إن الذي ساعد على انتشار النمط الأميركي الاستهلاكي في أوروبا هو أن الأخيرة قد انبهرت بمحض إرادتها بذلك النموذج. فعندما قررت أميركا الخروج من عزلتها والتوسع عالميا، فإنها قامت باستخدام عدد من المنتجات ذات الماركات والأسماء التجارية الجذابة، التي قامت أوروبا المتحضرة بتلقفها بنفس الشغف الذي تلقفتها به قرى ومدن الريف الأميركي الصغيرة في الغرب الأوسط. وقد أدى انبهار أوروبا بجاذبية النموذج الأميركي، إلى هزيمة الأسلوب الأوروبي في الحياة، والذي يقوم بشكل أساسي على مبادئ العراقة، والذوق الرفيع، ومفهوم الطبقة، أمام نظيره الأميركي القائم على الإنتاج الضخم، وإرضاء أذواق الطبقة الوسطى في الأساس. وتقول المؤلفة إنه مثلما استسلمت البورجوازية الأوروبية لنمط المعيشة الأميركي المتفوق، فإن هتلر وستالين استسلما هما أيضا للنمط الأخلاقي الأميركي القائم على البراجماتية، مما أدى إلى نشوب الحرب العالمية الثانية، التي لعبت الولايات المتحدة بعد ذلك دورا في حسمها، مما أدى إلى ترسيخ وجودها على الساحة الأوروبية. والمؤلفة تحدد في كتابها خمسة عناصر ترى أنها هي التي أدت إلى سيادة النمط الاستهلاكي الأميركي في أوروبا هي: التجاهل شبه الكامل تقريبا لسيادة الدول الأخرى، والاحتكار التام والأمركة الفجة تحت مسمى"حرية التجارة" و"العولمة". والثاني تصدير مبدأ "المجتمع المدني" والثالث، تحويل العقلية الأوروبية من خلال آلة الدعاية الأميركية الجبارة، والرابع، الديمقراطية الزائفة بكافة أشكالها وأنواعها، والخامس هو السلام المخادع. وتحذر المؤلفة الأميركيين مع ذلك من الشعور بالزهو والغرور لقيامهم بغزو أوروبا، لأن الحقيقة هي أنهم عندما فعلوا ذلك، فإنهم تأثروا بها بنفس القدر الذي أثروا هم فيها، بل وربما يكونون قد تأثروا أكثر تماما كما كان يحدث في الماضي عندما كانت الشعوب المستعمرة تقوم بالتأثير في غزاتها.
وتستشهد المؤلفة في معرض التدليل على قولها هذا بعدة أمثلة منها ذلك الخاص باختراع الطيران، وتقول إنه على الرغم من حقيقة أن الأخوين "رايت" هما اللذان قاما بقيادة أول طائرة، إلا أن معظم التطوير الذي تم في مجال الطيران خصوصا في مراحله الأولى قد تم على أيدي الفرنسيين, كما أن تقنية الجناح الملتصق ببدن الطائرة، التي استخدمتها شركة "بوينج" وحققت بها سبقا على غيرها كانت تقنية ألمانية الأصل، كذلك كانت الصواريخ التي استخدمت في أطلاق سفن الفضاء لوكالة "ناسا" لأن علم الصواريخ كما هو معروف علم ألماني في الأساس. وتذكر المؤلفة المزيد من الأمثلة منها أن شركة " أيرباص" الأوروبية قد حققت انتصارات متكررة على شركة "بوينج" الأميركية في السوق العالمي، وأن الجامعات الأميركية قد تأثرت بالجامعات الألمانية باستثناء جامعتي "هارفارد" و"ييل" اللتين تأثرتا بجامعتي أوكسفورد وكامبريدج. فضلا عن ذلك فإن الإنترنت ليس اختراعا أميركيا مثلما يعتقد الكثيرون، لأن الذي اخترعه في الحقيقة هو رجل إنجليزي.
بعد أن بينت ذلك عادت "دي جرازيا" لتؤكد أن ذلك لم يحل دون الانتصار النهائي للنموذج الاستهلاكي الأميركي في أوروبا بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، إلى درجة أن المساواة الاجتماعية في أوروبا مع نهاية ذلك القرن لم تعد تفيد معنى التساوي بين طبقات وشرائح المجتمع في الفرص والواجبات ولكنها أصبحت تعني مدى القدرة على المشاركة في سياسة الاستهلاك الشامل. وتقول المؤلفة إن العلامة الدالة على الانتصار النهائي للنمط الاستهلاكي الأميركي على نمط الحياة والثقافة الأوروبي كانت عام 1986 عندما تم افتتاح أول مطعم من مطاعم الوجبات السريعة وهو التابع لشركة" ماكدونالد" بالقرب من أحد المعالم الأثرية الشهيرة في قلب العاصمة الإيطالية روما وهو الأثر المعروف بـ ""Spanish Steps والحقيقة أن قيام المؤلفة ببيان ا