منذ الثورة الإسلامية في إيران في فبراير 1979 كثرت المؤتمرات حول الإسلام والمسلمين خاصة "الأصولية الإسلامية". وزاد إيقاعها بعد حادث المنصة في أكتوبر 1980، وظهور الحركات الإسلامية على الساحة في معظم البلدان العربية والإسلامية ووصول البعض منها إلى الحكم ودخولها في معترك الحياة السياسية كأحزاب شرعية، بل ودخولها حربا مسلحة في الجزائر. وأصبحت تهدد وحدة الأوطان بالدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في شمال البلاد المسلم وعلى جنوبها غير المسلم في غالبيته عند المحافظين أو دونه عند الليبراليين.
واتسع النطاق بظهور المقاومة الإسلامية في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمير، وازدياد الشارع الآسيوي اتجاها نحو الإسلام في باكستان والجمهوريات الإسلامية في أواسط آسيا وفي ماليزيا وأندونيسيا. فالإسلام ثقافة الجماهير، وتاريخ البلاد الوطني.
ثم وصل الأمر إلى حد مبالغ فيه بعد حوادث سبتمبر 2001 في واشنطن ونيويورك وأصبح تنظيم القاعدة هو مصدر الرعب الأول. وكثرت المؤتمرات عن الإرهاب والعنف والقوة من ناحية أو الدين والسلام والحوار والتعايش بين الأديان من ناحية أخرى. ودخل حلف شمال الأطلسي في الميدان بقوة بعد أن لم يعد له مهمة عسكرية لزوال خطر التهديد الروسي وانتهاء حلف وارسو، وأصبحت مهمة ثقافية أي دراسة أيديولوجيا الثورة والتنظيمات الإسلامية كنوع من العمل الوقائي حتى لا يتكرر نموذج الثورة الإسلامية في إيران، ولا تتكرر حوادث واشنطن ونيويورك خاصة بعد حوادث مدريد وتفجير القطار في 2004. وزادت معدلات الهجرات من البلدان العربية والدول الإسلامية إلى أوروبا وأصبح الدين الإسلامي الدين الثاني في أوروبا، أربعة عشر مليوناً من المسلمين. فظهرت عادات وسلوكيات جديدة في أوروبا دفعت الهيئات والمنظمات ومراكز الأبحاث إلى تناول موضوعات الإسلام والغرب، الإسلام وأوروبا. بالإضافة إلى ما يروجه دعاة صراع الحضارات، وأنصار المحافظة الجديدة واليمين الصاعد إلى اعتبار الإسلام خطرا على الغرب وليس إضافة حضارية كما كان في بداية العصور الحديثة.
وأُدعى إلى كثير من هذه المؤتمرات وما أكثرها. وأكون في حيرة بين الرفض والقبول. الرفض يعني الانعزال وضياع فرصة التعرف على ما يحدث في العالم الخارجي، والدفاع عن الحق العربي، والمساهمة في التخفيف من حدة الاتهامات الموجهة إلى الثقافة العربية وتكرار الصور النمطية، وربط العرب والمسلمين بالعنف والإرهاب والتخلف دون معرفة جذور الإرهاب في الداخل وفي الخارج، في النظم السياسية التي تقوم على القهر والتسلط، ونظام العالم الذي يقوم على القطب الواحد والعدوان على الشعوب المستقلة. والقبول يعني الإرهاق المستمر، والسفر أسبوعياً، وتعطيل أبحاثي العلمية والتزاماتي الوطنية داخل البلاد. وأحسن الاختيار بالقبول بعد أن أرى نفسي العربي الوحيد، وأتصور نفسي غائبا، ومدى الخسارة من غياب العرب. وهذا ما حدث في البيان الختامي لندوة دولية سنتحدث عنها، عندما أصررت على حذف الفقرة الخاصة بإدانة الحرب العادلة والمقصود بها الجهاد لأن الدفاع عن النفس حق مشروع طبقا لمواثيق الأمم المتحدة وأيدني سفير تركيا في موسكو في حق الشعب المحتل في الدفاع عن نفسه ضد العدوان.
وليست أهمية هذه الندوات والمؤتمرات الدولية فقط كثرتها بل تمويلها وأهدافها. وغالبا ما يكون التمويل أميركيا مباشرا أو غير مباشر. والغالب أن تكون أهدافها جمع المعلومات عن الموضوع، والتأثير في الرأي العام عن طريق الحضور الطاغي لأجهزة الإعلام، واختبار صحة النظريات عن طريق سماع آراء الناس فيها وأخذ الآراء المعارضة بعين الاعتبار.
وقد عقدت في الأسبوع الماضي في موسكو ندوة دولية بعنوان "الدين والسلام، من الإرهاب إلى الأخلاق الشاملة" وكانت الدعوة موجهة من معهد الاستشراق بأكاديمية العلوم في موسكو. وهو معهد عريق تخرج منه عديد من الأساتذة العرب. وعلماؤه مستشرقون جدد متعاطفون مع القضايا العربية.
ووافقت على المشاركة بورقة عن "جدل العنف واللاعنف" للبحث عن جذور العنف وتوضيح الفرق بين العنف المرئي والعنف اللامرئي، عنف الفرد وعنف الدولة. العنف كفعل والعنف كرد فعل، العنف القاهر والعنف المحرر إلى آخر هذه الفروق الموجودة في الأدبيات الشائعة في أميركا اللاتينية.
الغطاء روسي، والتمويل أميركي، والتنظيم تركي من إحدى الجماعات الموالية للولايات المتحدة الأميركية. تجمع الكل مصالح واحدة وخطر واحد هو الإرهاب... في الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة القائم في آسيا، وفي روسيا في المقاومة الشيشانية، وفي تركيا وما يحدث فيها أحيانا من عنف وانفجارات بين الحين والآخر في بعض البنوك والرموز الغربية. وروسيا في حاجة إلى استضافة مثل هذه الندوات لزيادة العائدات السياحية. وتركيا تلعب على الجميع، على الغرب لقبولها عضوا في الاتحاد الأوروبي، وعلى أميركا باعتبارها شريكا في مقاومة الإرهاب، وعلى روسيا باعتبار أثرها على آسيا الإسلامية وشعوبها من أصل تركي. وأكبر