انتقدت ثم دعت، فطالبت وأكدت... تلك كانت خلاصة زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى الشرق الأوسط، وتكررت تلك الأفعال في نشرات الأخبار على مدى الأيام الماضية في جولتها التي شملت إسرائيل والأراضي الفلسطينية والأردن فمصر ثم السعودية, لتنتقل بعدها إلى بروكسل للمشاركة في مؤتمر حول العراق، ثم لندن لحضور مؤتمر مجموعة الثماني. لكن لهجة الخطاب المستخدمة في جولتها العربية لم تظهر في نشرات الأخبار عند تغطية زيارتها لإسرائيل، رغم العتب على إسرائيل لقيامها بإجراءات أحادية الجانب، ورغم قلق واشنطن إزاء التعاون العسكري الإسرائيلي - الصيني، مؤكدة أن على إسرائيل أن تتفهم أهمية عدم تقديم مساعدات عسكرية للصين, وأن تتفهم حساسية تعاونها مع الصين، خصوصاً في ضوء علاقات التعاون الدفاعي بين إسرائيل والولايات المتحدة. لهجة في منتهى النعومة طمأنت رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون المطمئن أصلا من أن السياسة الأميركية لا زالت شارونية الهوى.
والسؤال الأدعى للطرح لماذا جاءت كوندوليزا رايس إلى المنطقة؟ ألدعم مسيرة السلام في الشرق الأوسط؟ أم هي الإصلاحات والديمقراطية، أم هي الحرب على الإرهاب من جديد؟ ما هي الأجندة الاميركية في الشرق الأوسط وهل تغيرت خطوطها أو تبدلت أولوياتها؟
منذ البداية بدا واضحا أن السياسة الخارجية الأميركية تبحث دائماً وابداً عن مخارج للسياسات الإسرائيلية. فمشكلة الانسحاب من غزة مشكلة إسرائيلية بكل تفاصيلها، كانت خطة أحادية الجانب وظلت أحادية, فلم تضع إسرائيل أي اعتبار للتنسيق مع السلطة الفلسطينية. والغريب أن تبدِأ الوزيرة زيارتها بمطالبة القيادة الفلسطينية بضمان أن يتم الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية بعد شهرين بهدوء كامل وتام، وذلك كشرط للانتقال بعد ذلك إلى المفاوضات حول خريطة الطريق، فكان ختام الزيارة الإعلان عن اتفاق الإسرائيليين والفلسطينيين على تدمير منازل المستوطنين بعد إخلائها. وحقيقة نعلم كما تعلم الوزيرة الأميركية ألا علاقة أو ارتباط مباشراً بين خطة الانسحاب من غزة وخريطة الطريق. ولم تكن الخطة عثرة في طريق تطبيق الخطة ولن تكون دافعا لتطبيقها. فخريطة الطريق اليوم اختبار فعلي للجنة الرباعية الدولية. وخطة الانسحاب إن لم تكن دافعا لتطبيق الخطة فلتكن حافزا لتحريك الملف. فإسرائيل المستبقة للأحداث دوما, ومباشرة بعد مغادرة الوزيرة الأميركية وقبيل قمة أبومازن وشارون الهادفة إلى تنفيذ تفاهمات شرم الشيخ، سواء بالانسحاب الإسرائيلي من جميع مدن الضفة حتى حدود أوسلو، وإطلاق سراح الأسرى، ووقف انتهاكات خريطة الطريق، سارعت لطرح مشروع لضم الكتل الاستيطانية بالضفة مقابل الانسحاب من غزة.
معضلة السلام في الشرق الأوسط ليست إسرائيل فحسب, بل الضغوط الأميركية على الجانب الفلسطيني في الوقت الذي تمارس فيه إسرائيل سياسة الأمر الواقع. وببساطة إسرائيل لا تريد عملية السلام إلا بما يتفق مع مصالحها, والولايات المتحدة تتفهم دائما الاحتياجات الإسرائيلية. تلك هي الصورة، وعلى الجانب الفلسطيني والعربي أن يتفهم التفهم الأميركي، أما عن نتيجة الزيارة للجانب الفلسطيني فهي صفر كبير.
كان الإصلاح والديمقراطية كذلك عنواناً للزيارة في جانبها العربي برز في زيارة رايس للأردن ومصر فالسعودية. الأردن كما صرحت الوزيرة الأميركية يصلح لأن يكون نموذجاً للإصلاح في المنطقة، أما في مصر فقد أشادت بخطوة تعديل الدستور المصري، مطالبة بالمزيد من الخطوات الديمقراطية منتقدة بشدة قانون الطوارئ، وأرسلت الوزيرة إشارات متباينة للحكومة المصرية وللمعارضة كذلك. فقد بدا التوافق المصري الأميركي رغم التصريحات المعلنة للمعارضة بدعم الديمقراطية وانتقادها المباشر لأحداث العنف الأخيرة ضد المتظاهرين، فهل من جديد؟ من الواضح, لا.
كان الختام في السعودية في لقاء مع ولي العهد السعودي. وكما أعلن كان اللقاء لتعزيز تفاهمات الرئيس بوش والأمير عبدالله السابقة، وكان الإرهاب حاضراً، والإصلاح غائباً، فلم توجه الوزيرة الاميركية انتقادات صريحة للحكومة السعودية وبدا حديث الإصلاح، جملة مكرره في جدول الأعمال.
جاءت الوزيرة الأميركية، رحلت الوزيرة الأميركية، فهل من جديد؟ لا.