في شهر مارس الماضي، بدأت الحكومة الإسرائيلية توسيع مستعمرة "معالي أدوميم" في إطار الخطة المعروفة بخطة (ئي- 1) للقدس الكبرى والتي سيتم بموجبها عزل القدس عن باقي الأراضي الفلسطينية.
وهذا التوسع يعتبر انتهاكا لخريطة الطريق، كما أنه يدمر القدرة الاقتصادية للدولة الفلسطينية المستقبلية، ويحولها عمليا إلى مجموعة من الكانتونات المنفصلة. في الثالث والعشرين من مارس جاء في مقال لـ"الواشنطن بوست": الظاهر أن رئيس وزراء إسرائيل لم يفهم بعد أن هذا العهد الجديد من الأمل في الشرق الأوسط يحتاج منه إلى أن يقوم بكبح غرائزه الاستيطانية.
وأنا لا أتفق مع رأي كاتب المقال لأن شارون يعرف تماما ما يريد، ويسعى إلى تنفيذه بدعم غير مسبوق من واشنطن، يتيح له الالتفاف على اتفاقيات السلام المعيبة التي جرى توقيعها حتى الآن. وهذه الاتفاقيات من أوسلو وحتى خريطة الطريق وشرم الشيخ تعتبر معيبة في نظري لأنها تتجاهل حقيقة أساسية وهي عدم شرعية الاحتلال، ومبدأ ضم الأراضي بالقوة.
وهذه الاتفاقيات ليست سوى مسكنات وقتية لصراع أكثر عمقاً يتم تأجيل حله دائما لمرحلة لاحقة، ولا يتم الوصول إليها أبداً. علاوة على ذلك تعاني تلك الاتفاقيات من مشكلة مفهومية تتمثل في أنها تتبنى مبدأ تساوي الالتزامات وكأن الطرفين متساويان في القوة ومتساويان أمام القانون.
فليس من الواقعي أن نتوقع من الفلسطينيين الأسرى أن يقوموا بتوفير الأمن للإسرائيليين المحتلين. وليس من الواقعي كذلك أن نسمح للمحتل بأن يصر على أنه سوف يقوم فقط في حالة استيفاء شروط (غير واقعية) بالنظر في منح الفلسطينيين بعض التنازلات - كبادرة إنسانية وليس انطلاقاً من التزام أو اعتراف بحقوق جوهرية طال إنكارها.
من الشعارات المبكرة التي رفعتها آلة الدعاية الصهيونية، والتي كانت تلخص استراتيجيتها بشكل دقيق ذلك الشعار الذي كان يقول: إن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. وعلى ما يبدو أن الإسرائيليين حتى الآن غير مستعدين للتخلي عن ذلك الحلم الصهيوني القائم على انتزاع الأرض من سكانها الأصليين. وإذا ما أخذنا في الحسبان أن مواصلة انتزاع الأراضي، والبطش بالشعب الفلسطيني، لابد أن يؤديا إلى المقاومة واندلاع أعمال العنف، فإن كل ما كان يتعين على القادة الإسرائيليين القيام به لإحباط الاتفاقيات هو الإصرار على الاستسلام الكامل للفلسطينيين، مع القيام في نفس الوقت بمواصلة سياسة انتزاع وضم الأراضي.
فإذا ما أخذنا خطة "خريطة الطريق" كمثال, فسوف نجد أن تلك الخطة كانت تنص على: قيام حكومة إسرائيل فوراً بتفكيك المستوطنات العشوائية التي تم بناؤها بعد تاريخ الحادي والعشرين من مارس 2001... ووفقا لتقرير "ميتشيل" يتعين على حكومة إسرائيل أن تقوم بتجميد جميع الأنشطة الاستيطانية بما في ذلك أعمال النمو الطبيعي للمستوطنات.
لإحباط تلك الاتفاقية قام مجلس وزراء شارون بتمرير قرار ينص على أنه في المرحلة الأولى من الخطة، وكشرط ضروري للتقدم للمرحلة الثانية منها، يتعين على الفلسطينيين القيام بتفكيك جميع المنظمات الإرهابية (حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وكتائب شهداء الأقصى وغيرها) بالإضافة إلى بناها الأساسية.
كان معنى هذا الشرط أن السلطة الفلسطينية قد غدت مطالبة ليس فقط بضمان إيقاف أعمال العنف، ولكن تحويل نفسها إلى سلطة متواطئة تقوم بتنفيذ سياسة المحتل عن طريق تدمير البنية الأساسية للمنظمات التي تقاوم وجوده.
وحكومة شارون كانت تدرك استحالة تنفيذ هذا الشرط، ورحبت بذلك لأنه كان يوفر لها الحجة التي يمكن أن تعتمد عليها في مواصلة بناء المستوطنات، وتوسيع القائم منها حاليا، وزيادة المصاعب التي تجبر الفلسطينيين على مغادرة أرضهم.
ونتيجة لذلك وجدنا أن عدد المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية قد تضاعف تقريبا منذ توقيع اتفاقيات أوسلو "التاريخية". ليس هذا فحسب بل إنه وبعد التوقيع على خريطة الطريق بشهر واحد، كشف مسح جوي عن أن هناك أعمال توسع تجري في 73 موقعاً في الأراضي الفلسطينية.