هناك سبب لعدم قيام جورج واشنطن بإجراء استطلاع للرأي في "فالي فورج" (موقع للجيش الأميركي في ولاية بنسلفانيا أثناء الثورة الأميركية)، وهو أن هناك أوقاتاً تمر علينا أثناء الحروب، نكون فيها غير قادرين على معرفة النتيجة. ونحن نمر بوضع مثل هذا الآن في العراق: فعلى الرغم من أننا نعرف أن النصر هناك ليس وشيكاً، إلا أن أحدا لم يقم حتى الآن بالتفكير في العواقب التي يمكن أن تتمخض عن هزيمتنا هناك.
ولكن ماذا تقول استطلاعات الرأي؟ إنها تقول إن هناك أعدادا متزايدة من العراقيين بدأت تدرك عدم جدوى القتال، وأن ستين في المئة من الأميركيين يريدون سحب بعض، أو كل قواتهم من العراق. وعلى الرغم من نتائج تلك الاستطلاعات إلا أنني لا أعتقد أن غالبية الأميركيين يريدون حقا أن نسحب جيشنا من العراق وأن نقبل بالهزيمة. نعم أنا لا أصدق أنهم قد أصبحوا مستعدين للقبول بدولة يديرها الإرهابيون في قلب الشرق الأوسط، أو باندلاع حرب أهلية في العراق، أو بتحطم الآمال الديمقراطية في بلاد مثل مصر وإيران، أو القبول بنتائج كارثية للقوة والهيبة الأميركية.
إن الاحتمال الأكثر ترجيحا هو أن كل ما يريدونه هو أن يهربوا من اللحظة الراهنة المثبطة وغير المؤكدة. من بين المشاكل العديدة التي نواجهها في قتالنا ضد التمرد، هو أننا غير قادرين على أن نعرف ما إذا كنا نكسب تلك الحرب الآن أم أننا نخسرها. فالأمر هناك أشبه ما يكون بمشاهدة مباراة لكرة القدم تجري على ملعب ليس به خطوط، ويتحرك فيه الجميع بشكل تغلب عليه الفوضى العارمة. هذا هو الوضع كما يبدو أمام أنظارنا في العراق. مع ذلك، هناك أدلة على حدوث تقدم منها: استكمال القوات المسلحة الأميركية لسلسلة من العمليات الناجحة منها عملية "الرمح" في غرب العراق التي لقي فيها 60 إرهابياً على الأقل مصرعهم، ووقع 100 غيرهم في الأسر. وهناك أيضا عملية " البرق" التي جرت في بغداد وتم خلالها القبض على 500 شخص.
وفي الوقت الراهن، تحتجز القوات الأميركية 14 ألفاً ممن تشتبه في انتمائهم لقوات التمرد، كما أنها قبضت على ما يزيد على 24 مساعدا من مساعدي الزرقاوي، كما ترددت هذا الأسبوع أنباء عن وقوع معارك داخلية بين المتمردين مع بعضهم بعضا وتحديدا بين المتمردين المحليين وبين المتمردين القادمين من الخارج. هناك أيضا التقدم السياسي البطيء ولكن المستمر مع ذلك، والذي لا غنى عنه لتحقيق النجاح. والقادة السُّنة الآن يندمون على أنهم لم يشاركوا في الانتخابات كما أن البعض منهم يشارك الآن في صياغة الدستور العراقي.
غير أنه يجب أن يقال هنا إن تلك الانتصارات التكتيكية، لم تضف الكثير من التحسن إلى الوضع العام. فمعدل الخسائر لا يزال مرتفعا. وعدد قوات الأمن العراقية التي تستطيع العمل بمفردها لا يزال قليلا، كما أننا نفتقر إلى الأعداد الكافية من القوات اللازمة للتمسك بالأراضي التي يتم غزوها. أما المتمردون فهم قادرون على التكيف مع الظروف، ومنظمون، ويتعلمون من أخطائهم.
بيد أن هناك أمراً مؤكداً، وهو أنه طالما لا يوجد لدينا دليل نستطيع على أساسه أن نصدر أحكاما على المسار العام للحرب الدائرة في العراق، فإنه من المهم ألا نقوم بإصدار أحكام قبل الأوان كذلك. لازال من المبكر جدا والحال هكذا القبول بالروح الانهزامية التي تلبست الكثيرين منا. ومن الخطأ أيضا أن نسعى إلى الانسحاب الآن في الوقت الذي تبدو فيه المحصلة النهائية لما يحدث هناك غير قابلة للتنبؤ.
البعض منكم سيرد على هذا بالقول إنه من السهل عليَّ أن أقول هذا طالما أنني لست موجودا هناك. ما سأقوله في هذه الحالة هو أننا نعيش في دولة ديمقراطية، يتم فيها اتخاذ القرارات بشكل جماعي، وأن الأغلبية الساحقة من هؤلاء الذين يقاتلون في العراق، والأغلبية الساحقة من أهاليهم قد قاموا بالتصويت على إعادة انتخاب جورج بوش.
البعض الآخر قد يرد على ما أقوله بتوجيه سؤال هو: ولكن لماذا ذهبنا هناك (إلى العراق) في المقام الأول؟ لهؤلاء أقول إنه ربما تكونون على حق، ولكن لن نستطيع أن نقطع في ذلك برأي إلا بعد مرور بعض الوقت. فنحن هنا لسنا في معرض أثبات من هو على صواب ومن هو على خطأ، وإنما في معرض الكلام عن ضرورة تحقيق النصر لقواتنا ولحلفائنا، وعن هزيمة الزرقاوي ومن هم على شاكلته.
يوم الثلاثاء الماضي ألقى السيناتور "جون بايدن" خطابا في واشنطن عن العراق وذلك في أعقاب الزيارة التي قام بها إلى هناك حديثاً. كان ما قاله "بايدن" في هذا الخطاب نموذجاً لما يجب على الرئيس الأميركي أن يقوله لشعبه خلال الأسابيع القادمة. احتوى ذلك الخطاب على نقد مرير للأوضاع وتحدث عن عدم وجود تقدم في العديد من المجالات، ولكنه كان بناءً من نواح أخرى كما يتبين من قوله: أعتقد أنه لا زال بإمكاننا النجاح في العراق. إلى ذلك تحدث بايدن أيضا عن بناء التحالفات في الوطن وقال إن هذا يعد أمرا ضروريا للنجاح في الخارج.
والحقيقة أن ما قاله بايدن قد أعاد إلى ذاكرتي كلمات مماثلة قالها روزفلت للأ