اكتشفت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مؤخراً محلا لبيع الخضار والفواكه في أبوظبي يكفل أكثر من 70 عاملا آسيويا منذ سنوات برغم أن العدد اللازم للمحل من العمالة لا يتجاوز خمسة عمال فقط. وهذه الواقعة قد تبدو صغيرة ولكنها في الحقيقة تلفت الانتباه إلى ضرورة مناقشة الدور المفترض للمراكز التجارية "المولات" المنتشرة في كافة أنحاء الدولة في الحد من انتشار المحلات الصغيرة "البقالات" باعتبار أن الأخيرة أحد أسباب تفاقم مشكلة الخلل في التركيبة السكانية بالدولة وأحد منافذ تجارة التأشيرات.
المعروف أن التوسع في إنشاء المراكز التجارية ومراكز التسوق بمحطات البترول في دولة الإمارات التابعة لشركات "أدنوك"، كان أحد الحلول المطروحة للسيطرة على ظاهرة المتاجرة بالتأشيرات وما يعرف بالعمالة الهامشية خاصة في المحلات الصغيرة المنتشرة وسط الأحياء السكنية، حيث تتكاثر هذه المحلات وتتكدس بشكل لافت في بعض الأحياء مما يشكك في أنها تتربح من وراء أبواب أخرى بخلاف تجارة التجزئة التي تمارسها وسط هذا الزحام اللافت.
ولعل واقعة الكفالة التي كشفت عنها وزارة العمل تعكس ازدياد هذه الظاهرة بعد مرور خمس سنوات تقريباً من ظهور المراكز التجارية بالدولة، ما يطرح بدوره تساؤلات حول مدى نجاح هذه المراكز في الحد من انتشار المحلات الصغيرة في الأحياء السكنية للمدن. الملفت أن انتشار المراكز التجارية يقابله نمو في انتشار المحلات الصغيرة، وبدا الأمر بالنسبة لمن يلاحظه وكأن هناك منافسة بين الطرفين، بل إن المحلات الصغيرة طورت من خدماتها (التوصيل للمنازل) وهو ما يعني أنها متمسكة بوجودها، بل يمكن لها أن تحد من نجاح المراكز التجارية في تأدية أحد الأهداف التي قامت على أساسها.
وقد عانت الدولة من وجود المحلات الصغيرة ومن القائمين عليها من سلبيات اجتماعية. فليس خافياً على أحد الجرائم الأخلاقية التي تمارسها هذه الشريحة في المجتمع وخاصة أن الأغلبية منهم يصنفون كـ"عزاب". كما عانت الدولة اقتصادياً، فهي تتستر بالعمل ضمن نشاط البقالة أو "السوبرماركت"، ولكن من خلال أي ملاحظة للعاملين فيها نجد أنهم يتغيرون بين الحين والآخر، وبالسؤال عن شخص كان يعمل قبل فترة تجد الإجابة أنه انتقل إلى محل آخر، فيتضح أن دور هذه المحلات عبارة عن محطة مرور (ترانزيت) للبحث عن عمل في الدولة. وفي أحيان كثيرة، تجد عائلة بأكملها قد انتقلت للعمل بالدولة تحت غطاء هذه المحلات الصغيرة.
دون شك، فإن استمرار المحلات الصغيرة بين الأحياء السكنية مرده وجود فئة مستفيدة من الطرفين التاجر والمستهلك، لكن الهدف المرسوم للمراكز التجارية "المولات" والمتمثل في القضاء على المحلات الصغيرة المنتشرة في الأحياء السكنية والطرق الخارجية يستدعي تصحيح مسار إصدار الرخص التجارية بالدولة، وتقديم دراسات جدوى اقتصادية للحد من انتشارها، الذي لا يقتصر هدفه على الجانب التجاري فقط. ويبقى أن لـ"المولات" أكثر من جانب إيجابي، مقارنة بالمحلات الصغيرة. فإلى جانب الشق التخطيطي والاقتصادي، هناك أيضا تنظيم استقدام العمالة الأجنبية، وهناك كذلك جوانب سياحية وترفيهية وجمالية. ويبدو من المفيد حاليا على الأقل مراجعة تراخيص هذه المحلات عند التجديد ودراسة جدواها ووقف أي تراخيص جديدة في هذا الإطار.