منذ أن وطأت قدم الإنسان سطح كوكب الأرض، وهو في صراع دائم وأبدي مع الأمراض والأوبئة. هذه الأمراض كانت كثيراً ما تنتج عن عجز الإنسان عن الحصول على كفايته من الطعام والغذاء، وهو ما كان يدفع به إلى هاوية سوء التغذية، وما تتسبب فيه بالتبعية من أمراض وعلل. ولكن منذ بداية النصف الأخير من القرن الماضي، اختلف شكل الصراع، ليصبح صراعاً بين الإنسان وبين الوفرة الغذائية والراحة الجسدية، والتي تظهر علاماتها على ملايين البطون والأرداف المنتفخة، بسبب الوزن الزائد أو السمنة. فالإحصائيات الدولية تشير إلى أن عدد المصابين بالسمنة حالياً حول العالم، يتخطى حاجز المليار شخص، تنتشر بينهم باقة من الأمراض المصاحبة لزيادة الوزن، وترتفع بينهم أيضاً نسبة الوفيات المبكرة.
وتتفاقم هذه المشكلة بين شعوب الدول الغربية الغنية، حيث تشير الإحصائيات والدراسات إلى أن أكثر من ستين في المئة من الأميركيين البالغين: إما أنهم مصابون بالسمنة الشديدة، أو أن أوزانهم تزيد على المعدلات الصحية. ولا يختلف الوضع كثيراً في بريطانيا، حيث تشير الدراسات إلى أن عدد المصابين بالسمنة بين البريطانيين، قد تضاعف ثلاث مرات منذ عام 1982، مما جعل نسبة ذوي الوزن الزائد تقارب الأربعين في المئة من مجموع السكان. وتختلف وتتعدد أسباب السمنة، وإن كان من الممكن تلخيصها في ستة أسباب رئيسية، هي: العوامل الوراثية الجينية، وتناول طعام غني بالطاقة والسعرات الحرارية، وقلة الحركة والنشاط البدني والرياضي، والإصابة ببعض الأمراض والعلل، ووجود اضطراب نفسي- غذائي، وأخيرا التوتر والقلق الدائمان.
ويعتبر هذا السبب الأخير، نقطة خلاف بين العلماء في مقدار أهميته. ورغم أنه لا يمكن في الوقت الحالي إصلاح العيوب الوراثية التي تتسبب في الإصابة بالسمنة، إلا أن الكثير من الأسباب الأخرى يمكن علاجها، أو على الأقل التخفيف من حدتها ووطأتها. فمثلا في حالة السمنة الناتجة عن نقص هرمونات الغدة الدرقية، يصبح العلاج ممكناً من خلال الهرمونات الاصطناعية البديلة. ويمكن أيضاً للعلاج النفسي والمهدئات، أن يستخدما في علاج السمنة الناتجة عن وجود اضطراب نفسي- غذائي أو لتخفيف حدة التوتر والقلق. ولكن يظل تناول الطعام الغني بالسعرات الحرارية والمصاحب لقلة النشاط والحركة، السببان الرئيسيان خلف انتشار وباء السمنة الذي يشهده العالم برمته حاليا. ولذا يتم علاج معظم حالات السمنة, من خلال الحد من كمية الطاقة في الغذاء "الحمية أو الريجيم"، المصاحب بقدر مناسب من التمارين الرياضية والحركة البدنية اليومية.
ويمكن تلخيص الأساليب الطبية المستخدمة في علاج السمنة، عبر استعراض إرشادات أو توصيات الممارسة الطبية (clinical practice guideline) الصادرة عن الكلية الأميركية للأطباء (American College of Physicians)، والتي تنص على النصائح الخمس التالية:
1- إذا ما كان مؤشر الكتلة الجسدية (Body Mass Index) للشخص يزيد على الثلاثين، فيجب توفير النصيحة الشاملة فيما يتعلق بالغذاء، وممارسة التمارين الرياضية، وغيرها من التغيرات السلوكية الضرورية، مع وضع هدف واقعي قابل للتحقيق على صعيد مقدار تخفيض الوزن.
2- إذا لم تتمكن الإجراءات السابقة من تحقيق الهدف المرجو، فيمكن ساعتها استخدام العقاقير الطبية. وإن كان يجب في هذه الحالة توضيح الأعراض الجانبية الممكن حدوثها عند تعاطي تلك العقاقير، وخصوصا عدم توفر بيانات على مدى طويل عن مدى فعاليتها وسلامتها.
3- العقاقير الممكن استخدامها لخفض الوزن هي: (sibutramine, orlistat, phentermine diethylpropion, fluoxetine, bupropion) . ذكر هذه القائمة ضروري، في ظل الادعاءات التي تصاحب الكثير من العقاقير المطروحة في الأسواق، وهي الادعاءات التي قد تصل أحياناً إلى درجة النصب البين. فمثلا لا يوجد الدليل العلمي الكافي على إمكانية استخدام أي من عقاقير (sertraline, topiramate, zonisamide) في علاج السمنة. (لا تتناول أياً من هذه الأدوية دون استشارة طبيب).
4- لدى الأشخاص الذين يزيد لديهم مؤشر الكتلة الجسدية عن أربعين، ولم ينجح النظام الغذائي والتمارين الرياضية، أو العلاج بالأدوية والعقاقير، في خفض وزنهم، وفي نفس الوقت تولد لديهم مضاعفات صحية من جراء وزنهم المفرط، فيمكن ساعتها اللجوء إلى أحد أساليب جراحات السمنة. وفي حالة استخدام الأسلوب الجراحي، فيفضل أن يتم في مركز متخصص في هذا النوع من الجراحات، لما أظهرته الدراسات من انخفاض ملحوظ في المضاعفات الجانبية، عندما تجري تلك الجراحات على يد طبيب معتاد على القيام بالكثير منها بشكل منتظم.
وتقسم جراحات السمنة بشكل عام إلى نوعين رئيسيين، تصغير أو ربط المعدة (Gastric Bypass) وتدبيس المعدة (Stomach Stapling). ويمكن استخدام المنظار لإجراء مثل تلك العمليات، بدلا من أسلوب الجراحة المفتوحة. وأحيانا ما يستخدم شفط الدهون أيضا. وإن كان لا يعتبر أسلوباً فعالاً في علاج السمنة، حيث لا يزيد في الغا