العراق ليس أفغانستان أخرى. فبصرف النظر عما قاله الرئيس بوش يوم الثلاثاء الماضي، فإن مشكلتنا الأساسية في العراق ليست الإرهاب الذي تركز عليه الإدارة ولا ترى غيره.
فهذا التركيز على الإرهاب، هو السبب في عدم قيامنا حتى الآن باتباع استراتيجية حقيقية مضادة للتمرد في العراق. مع ذلك يجب القول أيضا إن نقاد الرئيس بوش الذين يشبِّهون العراق بفيتنام يقعون في خطأ كبير. فالعراق أكثر أهمية بكثير من فيتنام، لأنه دولة غنية بالنفط، ويقع في منطقة مهمة، ويعني الكثير للعرب.
مع ذلك هناك وجه شبه بين فيتنام وبين العراق وهو الطريقة التي عالجت بها أميركا الأزمتين. ففي فيتنام – وهو ما نقوم بمثيله الآن في العراق- ركزنا على قتل ثوار "الفيت كونج" بدلا من حماية الشعب الفيتنامي، ولم نعمل على توفير الظروف التي تسمح بنمو الاقتصاد في ذلك البلد، ومنحنا الفرصة لسلسلة من الحكام الفاسدين الذين لم يبذلوا مجهودا يذكر للتواصل مع الشعب، وانخرطوا بدلا من ذلك في معارك جانبية على الثروة والنفوذ.
ولكن ليس من المحتم أن ينتهي العراق إلى نفس المصير الذي انتهت إليه فيتنام. فالحكومة العراقية أكثر شعبية بكثير مما كانت عليه الحكومة الفيتنامية، كما أن المتمردين العراقيين لا يقومون بقتل الأميركيين فقط، وإنما يقتلون مواطنيهم أيضاً، ولا يتمتعون بالقوة النيرانية التي كان يتمتع بها ثوار "الفيت كونج".
لذلك أقول إنه من المؤسف أن نضيع هذه المزايا، وأن نقوم بتكرار نفس الأخطاء التي ارتكبناها من أربعين سنة. يجب علينا بدلا من ذلك الاستفادة من دروس فيتنام وإيرلندا الشمالية وغيرها من الدول التي دارت فيها حروب عصابات وهذه الدروس هي:
أولاً, التركيز على سلامة المواطنين، وتوفير الحوافز السياسية والاقتصادية التي تجعلهم يعارضون التمرد. فهذا أكثر أهمية من مقاومة التمرد في حد ذاته. ويجب أن نلاحظ في هذا السياق أن عملياتنا ضد التمرد قد أكسبتنا عداء القبائل السنية القاطنة في منطقة غرب العراق. لذا يجب علينا إقامة مناطق آمنة في المدن والمناطق الزراعية العراقية، مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية مواقع الاتصالات وخطوط المواصلات، بما يؤدي إلى إتاحة الظروف التي تسمح بازدهار الحياة السياسية والاقتصادية في البلد.
ثانياً, توفير القوة البشرية اللازمة لإنجاز المهمة: إن ما سيؤدي إلى كسب أو فقدان الدعم الشعبي العراقي لمهمة إعادة الإعمار هو الشوارع الآمنة، والوظائف والمياه النظيفة، والتيار الكهربائي المستمر، والبنزين الكافي، وتوفير الأساسيات الأخرى. وتحقيق هذه الأهداف سوف يتطلب وجود 155 ألف جندي في العراق. لذا يجب على إدارة بوش أن تبدأ في العمل على توفير هذا العدد، إما من خلال حشد المزيد من الجنود النظاميين، أو استدعاء الاحتياطي، أو من خلال التشجيع على الالتحاق بالقوات المسلحة الأميركية عن طريق زيادة الرواتب والمزايا.
ثالثاً, تجاوز بغداد: لقد أصبحت بغداد تمثل عنق زجاجة لكل ما يجري في العراق. وعلى الرغم من أن الحال كان هكذا دائما عبر التاريخ، إلا أنه ليس هناك من سبب يدعو لاستمرار هذا الوضع.
رابعاً، قياس الشعبية الحقيقية للأحزاب المشاركة في الحكومة. فالحكومة العراقية المؤقتة تتكون من عدد كبير من الأحزاب السياسية، التي تعتبر شعبيتها الحقيقية غير واضحة. من أمثلة ذلك، أن معظم الشيعة قد قاموا بالتصويت للتحالف العراقي الموحد لأن السيستاني شجعهم على ذلك، وليس لأنهم يحبون هذا التحالف أو يؤمنون بمبادئه. وينطبق ذلك أيضا على بقية الأحزاب والجماعات التي لا نعرف مدى شعبيتها الحقيقية. إن الاحتمال الأكبر لنجاح عملية إعادة الإعمار هو عندما تتم هذا العملية من الأسفل للأعلى وليس العكس. وفي هذا الإطار سنكون بحاجة إلى المزيد من المدنيين الأميركيين، ومن موظفي الإغاثة الدوليين للتحرك في أنحاء العراق ومعرفة ما الذي يحصل عليه الناس بالفعل، وما الذي يحتاجونه بصورة ماسة. ونحن نريد أيضا أن نخرج الموارد من بغداد، أو نقوم بالالتفاف عليها من خلال شحن البضائع مباشرة إلى أيدي العراقيين الذين يستطيعون تقديم يد المساعدة على المستوى المحلي.
خامساً، شراء شيوخ السنة: ليس هناك أدنى شك في أن اجتذاب السكان السنة وعلى وجه الخصوص القبائل التي تعتبر الداعم الرئيسي للتمرد، والسماح لها بالانضمام للحكومة العراقية، وجعلها تشعر بأنها تمتلك نصيباً في النظام يمثل عاملا مهما للغاية في تحقيق الاستقرار الطويل الأمد.
شراء الأعداء قد يبدو للوهلة الأولى تقليدا غير أميركي ولكن الحقيقة هي أنه تقليد قديم في العراق. فطيلة التاريخ الحديث للعراق، كان شيوخ القبائل العراقيين يحصلون على الأموال من القابضين على السلطة في بغداد، سواء كانوا من الأتراك أو الإنجليز أو الطغاة البعثيين. ومما يشجع على اتباع هذا النهج أن بعض شيوخ القبائل السنة قد قاموا بمبادرات للاتصال بالسلطات الأميركية، والحكومة العراقية، يعرضون فيها حفظ السلام في مناطقهم، مقابل دفع الثمن