اهتم العديد من وسائل الإعلام العربية والعالمية بموضوع خطبة الجمعة الماضية في العديد من مساجد دولة الإمارات، والذي تركز حول الإرهاب ونتائجه السيئة والمدمرة على الدول والمجتمعات. واستنكر أئمة المساجد قتل الأبرياء وتدمير الحضارات وتخريب العمران وإشاعة الخوف في النفوس الآمنة لا سيما أن ذلك يفعل باسم الإسلام والانتصار لقضايا المسلمين. وكما أن الخطبة جاءت ضمن سياسة دولة الإمارات، التي تركز على نبذ الإرهاب وترويع الآمنين، وتدعو إلى الوسطية والسماحة والرحمة التي هي شعار الإسلام ومنهجه للمسلمين، فإنها تأتي في وقت تتجه فيه أنظار العالم إلى الهيئات والمؤسسات الدينية للمساهمة عمليا في التخلص من الفكر الإرهابي المتطرف والمستند إلى مفاهيم خاطئة لا علاقة لها بالإسلام وتعاليمه. فالمعركة ضد الإرهاب ليست معركة عسكرية ولا سياسية ولا استخباراتية، بقدر ما هي معركة فكرية في المقام الأول، والتي تبدأ بالسؤال الأول: كيف يمكن تحصين المجتمعات من الفكر الإرهابي المتطرف؟ ومن خلال هذا التساؤل فإن المسؤولية تقع على الجميع, أفرادا ومؤسسات، مدنية وحكومية. وما دام الأمر فكريا بالدرجة الأولى، فالقضية، وإن تطلبت بعدا أمنيا لا خلاف عليه، يتعلق بملاحقة الإرهاب ومعاقبة منفذيه، فإنها تبدأ بتحرك ديني وثقافي وإعلامي شامل، يحصن المجتمع من خطر الفكر الإرهابي المتطرف. ولكن المسؤولية تقع في شقها الأكبر على الذين يُدركون جوهر العقيدة الإسلامية، التي تحرم قتل الأبرياء ونشر الفساد في الأرض، وترفض الغلو في الدين، وتتسم بالتسامح إزاء المخالفين في العقيدة. فهؤلاء الذين يُدركون جوهر العقيدة على هذا النحو، وفي مقدمتهم أئمة المساجد، عليهم أن يعملوا على تصحيح هذا الجوهر وتنقيته لدى أفراد المجتمع. وحتى تظل دولة الإمارات بيئة غير صالحة لانتشار الفكر المتطرف، وبمنأى عن أيادي الإرهابيين، هناك ضرورة لرفع مستوى الخطاب الديني الهادف إلى تنقية الأفكار من الغلو والتطرف، حيث أن الفعل النابع من الفكر الديني هو الأخطر لأنه يتعامل مع النفوس والعقول التي يمكن بدورها أن تنزلق إلى الهاوية أو تصمت عن الحق. وبما أن الإرهاب قضية فكرية وعقدية في المقام الأول، فإن تواصل المواجهة وانتشارها لا مفر منه، مع الأخذ في الاعتبار أن هذين المستويين يتطلّبان المساندة الكاملة من كل أفراد المجتمع والمؤسسات المدنية والحكومية العاملة في الدولة، لا سيما المساجد والمؤسسات الدينية والتربوية والتعليمية والإعلام، وبدونها سيظل الأمر قاصرا عن بلوغ أهدافه الأساسية. إلا أن طبيعة التركيبة السكانية في الدولة، وتعدد اللغات والثقافات، يتطلب جهودا كبيرة توفر الآليات الضرورية التي تضمن وصول هذا الخطاب إلى أذان وأذهان هذا الخليط المتباين من الأجناس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية