في عموده الصحفي المنشور هنا بصفحات "وجهات نظر" يوم السبت 30 يوليو المنصرم, أثار الكاتب محجوب عثمان, نقطة جديرة بالنظر والاعتبار, خاصة وأن كافة السودانيين يتطلعون اليوم إلى رؤية حمائم السلام وهي ترفرف فوق سماء بلادهم, بعد حرب أهلية دامت لما يقارب الثلاثة عقود من الزمان. وفي الوقت الذي ينظر فيه الكثيرون إلى اتفاقية السلام المبرمة أخيراً بين طرفي النزاع –الحكومة المركزية في الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان- على اعتبار أنها أول الغيث وبداية حلول مرحلة السلام, على أمل تحقيق تقدم مماثل في حل النزاع المسلح الدائر في مناطق أخرى من السودان, مثل دارفور وشرق السودان, لفت الكاتب محجوب عثمان النظر إلى أزمة أخرى تهدد بنسف اتفاقية السلام نفسها, وتتمثل في المعارضة المسلحة للعقيد جون قرنق في الجنوب, وتمرد أبناء قبيلة "النوير" عليه, ورفضهم لحكمه لمنطقة الجنوب كلها. والجيد أن الكاتب شرح أسَّ المشكلة وجوهرها المتمثل في ممارسات حكومة الخرطوم الخاطئة, إبان فترة الحرب الأهلية ضد الحركة الشعبية, ولعبها على ورقة إثارة النعرات القبلية, وتسليح مليشيات قبائل النوير وتأليبها ضد الحركة, عملاً بسياسة "فرق تسد" المعروفة. اليوم ولما كانت حكومة الخرطوم نفسها, طرفاً رئيسياً في إبرام اتفاقية السلام الأخيرة مع الحركة الشعبية, وعلى إثر تنصيب الدكتور جون قرنق نائباً أول لرئيس الجمهورية, فهل تبادر الحكومة إلى نزع أسلحة تلك المليشيات, كي يستقر الجنوب أولاً, قبل أن تمضي خطوة باتجاه حل النزاعات المتأججة الأخرى في غرب السودان وشرقه؟ إن مصير هذه الاتفاقية, بل مصير السودان كله, إنما يعتمد على إيجابية الخطوة التي ستتخذها الحكومة إزاء تفكيك ونزع سلاح المليشيات المسلحة التي زرعتها ووزعتها في أنحاء مختلفة من السودان.
تاج الدين أحمد هلال- عجمان