يعد النداء القومي الذي وجهه الرئيس بوش للشعب الأميركي مؤخراً, ومناشدة مواطنيه الحد من استهلاك الجازولين, أحد أهم النتائج والتداعيات المفاجئة المترتبة عن كارثة إعصاري ريتا وكاترينا, وما نجم عنهما من ارتفاع متصاعد في أسعار النفط العالمي. فكما جاء في خطابه الذي ألقاه في الثاني والعشرين من شهر سبتمبر المنصرم, "فقد بتنا جميعاً بحاجة لتفهم أزمة الوقود, المترتبة على كارثة الأعاصير. وعليه فإن من المستحسن أن نتفادى قيادة سياراتنا في رحلة يمكننا القيام بها بوسائل المواصلات الأخرى, الأقل استهلاكاً للوقود, متى كان ذلك ممكناً". ثم أعقب هذا التصريح, بيان آخر, صدر عن سكوت مكليلان السكرتير الإعلامي للبيت الأبيض في السابع والعشرين من شهر سبتمبر المنصرم نفسه, حث فيه الموظفين والعاملين في مختلف منشآت ومرافق القطاعين العام والخاص, على إطفاء الأنوار والطابعات وغيرها من أجهزة لا يلزم تشغيلها خارج ساعات الدوام الرسمي. كما أكد دعوة الرئيس بوش نفسها, إلى خفض استخدام السيارات الخاصة, والاعتماد أكثر على وسائل المواصلات والنقل العام.
ويذكر هذان النداءان بأيام أزمة النفط والوقود التي شهدتها البلاد إبان فترة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر. فكما فعل بوش اليوم, كان كارتر قد حث المواطنين في عام 1979, على أن يكونوا أقل إسرافاً في استهلاك الوقود, وأن يحرصوا على إطفاء جميع الأجهزة المنظمة للحرارة. ومن باب الحرص على تقديم القدوة والمثل, فقد ارتدى كارتر سترة البرد, واستغنى عن المدفأة, حثاً لمواطنيه على فعل الشيء نفسه. وبما أن القدوة أو المثل القيادي, لا مناص منه في مثل هذه الحالات, فربما عض الرئيس بوش أصابع الندم, على دعوته لعامة المواطنين الأميركيين للحد من استخدامهم السيارات الخاصة, وتقليل قيادتها. وعلى العموم فإن المقارنة بين كارتر والجمهوريين, تبدو غير ملائمة وفي غير مكانها أصلاً. أكثر من ذلك فقد أظهر الرئيس بوش سخاءً كبيراً من خلال التعهدات التي قطعها على نفسه بضخ مليارات الدولارات لمساعدة المتضررين من الأعاصير التي ضربت المناطق الواقعة على سواحل خليج تكساس. وهذا ما دفع بالبعض إلى مقارنته برئيس ديمقراطي آخر, هو فرانكلين روزفيلت. وكان هذا الأخير قد أطلق مشروعه المسمى "الصفقة الجديدة" خلال عقد الثلاثينيات من القرن الماضي, الذي جرى تمويله بمبالغ مالية فيدرالية سخية وطائلة.
وعلى الرغم من أن تصريحات بوش المذكورة آنفاً, ربما لا تكون ذات أثر كبير يذكر على سياسات وفلسفة إدارته, المعنية بأمن الطاقة وترشيد استهلاكها, إلا أنها تشير إلى ما ينبئ عن احتمال حدوث بعض التغييرات في الأفق. فهاهي أوساط المال وبيوتات الاستثمار الأميركية الكبرى –بما فيها شركتا BP و"شل" قد شرعت في تكرار الدعوة إلى الفوائد الاقتصادية المترتبة على ترشيد استهلاك الطاقة, إلى جانب الترويج لضرورة تطوير إنتاج الطاقة البديلة غير الحفرية, وتنويع مصادر الطاقة في البلاد. بل الأكثر أهمية من ذلك, مبادرة شركات رئيسية أخرى في عدة ولايات –بما فيها كاليفورنيا ونيويورك وإلينوي وماساشوستس- إلى ابتكار مقاييسها الخاصة بترشيد استهلاك الطاقة, علماً بأن هذه المقاييس تفوق كثيراً في صرامتها, تلك المنصوص عليها في النظم والتشريعات الفيدرالية. وفي الثامن عشر من شهر سبتمبر المنصرم, قاد إليوت سبيتزر النائب العام لولاية نيويورك, فتح ملف قضائي باسم 15 ولاية أميركية ضد وزارة الطاقة الأميركية, بسبب فشلها في تشريع قوانين أكثر صرامة, تلزم المواطنين وجمهور المستهلكين والمنتجين, بالمقاييس التي وضعها الكونجرس, فيما يتصل بالتعامل مع 22 جهازاً من الأجهزة المنزلية المستهلكة للطاقة. ومن مؤشرات الأخرى على التغيير المرتقب انخفاض معدل مبيعات السيارات الاقتصادية الأميركية (SUV) مقابل ارتفاع الطلب على السيارات التي تعمل بالطاقة المهجنة, علاوة على اتجاه الشركات المصنعة للسيارات, لإنتاج سيارات جديدة أقل استهلاكاً للوقود. فهل تتحول هذه الوجهة إلى واقع عملي في المستقبل القريب؟
جيفري كمب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدير البرامج الاستراتيجية بمركز نيكسون-واشنطن