وجهت إحدى المحاكم في ولاية تكساس الأميركية تهماً إلى توم ديلاي، رئيس الأغلبية الجمهورية في الكونجرس الأميركي بخرق قوانين الولاية الخاصة بتمويل الحملات الانتخابية، وهو ما أدى إلى استقالة ديلاي من منصبه القيادي· وفي الوقت الذي تعتبر فيه استقالة ديلاي مؤقتة إلى حين ظهور نتيجة القضية التي مازالت معروضة على المحكمة، إلا أن الأعضاء الجمهوريين داخل الكونجرس سارعوا إلى اختيار بديل لديلاي ما جعله ينتقل من الجناح الفخم داخل مبنى الكونجرس إلى مكان أقل فخامة وأكثر تواضعا في الجانب المقابل لمبنى مجلس النواب· وفي هذه المرحلة يتعين على ديلاي ألا يعول كثيرا على استرجاع مكانته القيادية داخل الكونجرس، إذ حتى لو برأت المحكمة ذمته، فإنه ليس من المرجح أن يترك الرئيس الحالي للأغلبية الجمهورية كرسيه ببساطة· وعلى كل حال فإن للسلطة بريقها الذي لا يؤثر في ديلاي وحده، بل يمتد إلى أي شخص يجلس محله·
وبالإضافة إلى ذلك لا يبدو، ومن خلال قراءة التعليقات التي أدلى بها زملاؤه، أن ديلاي يحظى بدعم كبير من قبلهم· فالكثيرون منهم يشعرون بالاستياء والغضب لما قام به ديلاي من خروقات، ما يجعلهم متوجسين مما قد تلحقه القضية من ضرر على مستقبلهم السياسي· وقد وصل الحد ببعضهم إلى الإعلان عن عزمهم إرجاع جميع المساهمات التي قدمها لهم ديلاي أثناء حملاتهم الانتخابية· هذا ويذكر أن المسيرة السياسية لديلاي تميزت طيلة الفترة السابقة بسعيه المحموم للاستحواذ على السلطة، ثم استخدامها على نحو ذكي وقاسٍ في نفس الوقت· ولأن المال يقود إلى السلطة في السياسة والعكس صحيح، فإن ديلاي كان دائما بارعا في توظيف الإثنين معا· فقد فاز بانتخابات 1994 ليصبح رئيس الفريق الجمهوري داخل الكونجرس بعدما أنفق مليوني دولار في شكل مساهمات لتمويل الحملات الانتخابية لزملائه·
وما أن أخذ مكانه داخل الكونجرس حتى ركز اهتمامه على ما أسماه ''تغيير الثقافة السياسية في واشنطن'' التي تعني في نظره رفد المواقع النافذة خارج الكونجرس بأعضاء الحزب الجمهوري· وقد كان ديلاي واضحا مع جماعات الضغط، حيث أقنعهم أنهم إذا أرادوا قضاء مصالحهم فمن الأفضل لهم دعم الجمهوريين للوصول إلى الوظائف العليا· وسرعان ما نجح ديلاي بسبب جهوده تلك في تأمين التمويل اللازم للحملات الانتخابية للجمهوريين، حيث أدت جهوده الشخصية وحدها إلى جمع 12,5 مليون دولار لـ160 حملة انتخابية خلال ستة أشهر فقط· لكن بما أن السلطة تفسد المرء، فإن تمسك ديلاي بالسلطة ورغبته في توسيعها أديا به إلى الشطط في استعمالها ما جعله عرضة في خمس مناسبات للانتقاد من قبل لجنة الأخلاق في الكونجرس· ويذكر أن الاتهامات الموجهة لديلاي من قبل محكمة تكساس جاءت نتيجة محاولات هذا الأخير إعادة رسم الخريطة الانتخابية لولاية تكساس حتى يتمكن من خلق أعداد أكبر من الدوائر الجمهورية· وللقيام بذلك كان عليه أولا أن ينقل النفوذ داخل المجلس التشريعي لتكساس من الديمقراطيين إلى الجمهوريين حتى يصوتوا على خطته في إعادة رسم خريطتها الانتخابية، وهو ما استدعى منه إنفاق المزيد من الأموال لانتخاب أعضاء جمهوريين·
غير أن ولاية تكساس التي تحرم استخدام أموال الشركات لتمويل الحملات الانتخابية داخل الولاية، اتهمت ديلاي بتبييض 200 ألف دولار واستعمالها في الانتخابات· والمهم بالنسبة لنا نحن كعرب أميركيين وكمهتمين بعملية السلام في الشرق الأوسط أن ذهاب ديلاي سيكون أمراً غير مأسوف عليه· فلطالما كان هذا النائب الجمهوري أحد المناوئين الأشداء للحقوق العربية والفلسطينية· فقد عارض خلال التسعينيات اقتراحا تقدم به الرئيس كلينتون لمساعدة الضفة الغربية وقطاع غزة· وعندما اقترح الرئيس بوش 20 مليون دولار لمساندة الانتخابات الفلسطينية، قام ديلاي بتوجيه تلك الأموال إلى إسرائيل· كما أن ديلاي الذي يقول عن نفسه إنه ''إسرائيلي القلب'' عارض دعم الرئيس بوش لإقامة دولة فلسطينية مطلقاً عليها ''دولة الإرهابيين''· وبالنظر إلى كل ذلك فإن ذهابه لن يحزن أبداً قلوب العرب والمحبين للسلام·
جيمس زغبي
رئيس المعهد العربي الأميركي