احتلت قضية الارتفاع المستمر في أسعار السلع الاستهلاكية، حيزا كبيرا من الاهتمام طوال الأسابيع القليلة الماضية، ليس فقط لتأثير ذلك السلبي على المستهلك، ولكن أيضا لتأثيره على مجمل الأنشطة الاقتصادية وعلى الاستثمار· وتركزت محاور تناول هذه القضية بشكل أساسي على أهمية وضع الضوابط التشريعية التي تهدف إلى إنهاء احتكار تداول بعض السلع الرئيسية وعلى ضرورة تقنين الرقابة على الأسواق لمواجهة عمليات رفع الأسعار غير المبررة وغير المنطقية من ناحية، مع عدم الإخلال بقواعد وآليات الاقتصاد الحر من ناحية أخرى·· بالإضافة إلى تفعيل دور الجمعيات التعاونية لخلق نوع من التنافس السعري الذي يصب في النهاية في صالح المستهلك بشكل خاص والأنشطة الاقتصادية وحركة الاستثمار بشكل عام·
والرؤية المتأملة لكل ما طرح من آراء وأفكار واقتراحات لمواجهة موجة الغلاء المتصاعدة تكشف لنا أنها أغفلت العنصر الأكثر أهمية في معادلة الأسعار، ألا وهو المستهلك الذي يستطيع بشكل مباشر أن يسهم في إعادة الانضباط إلى السوق عن طريق ترشيد الاستهلاك والإقبال على البدائل التي تتوفر بأسعار مناسبة·
وليس أدل على قدرة المستهلك على الإسهام بدور فعال ومؤثر في توجيه مؤشر الأسعار وعلى أهمية إدخال تعديلات جذرية في ثقافتنا الاستهلاكية من تلك التجربة العفوية التي شهدتها أسواق اللحوم في رأس الخيمة، فبعد أن ارتفعت أسعار المواشي بشكل عام والأغنام بشكل خاص بنسبة تزيد على 10 بالمائة في أول أيام رمضان·· سارع التجار إلى إلغاء الزيادة وإعادة الأسعار إلى مستواها قبل الشهر الفضيل بسبب إحجام قطاع كبير من المستهلكين عن الشراء مما خلق ''عرضا'' يزيد بكثير عن ''الطلب'' فعاد التوازن واختفت المغالاة·
والحديث عن ثقافة الاستهلاك وعدم المغالاة في الإنفاق السلعي الترفي في معظمه وتأثير ذلك على أسعار السلع يقودنا إلى الأرقام التي أعلنتها وزارة الاقتصاد والتخطيط حول الائتمان المصرفي والتي جاء فيها أن حجم القروض الشخصية وهي استهلاكية في الغالب·· وصل إلى حوالي 60 مليار درهم خلال العام الماضي لتشكل حوالي ربع إجمالي الائتمان المصرفي·· وهو رقم كبير بكل المقاييس ويؤكد الحاجة إلى مراجعة جادة لأنماط الاستهلاك في مجتمعنا من ناحية والى وضع ضوابط تضمن توجيه نسبة مؤثرة من مخصصات القروض الشخصية إلى الأغراض الاستثمارية والتجارية التي تسهم في النهضة الاقتصادية وتعود بالخير على الوطن والمواطنين·