فيما تعاني العديد من دول العالم أزمة سيولة مالية، فإن الوضع معكوس بالنسبة إلى دولة الإمارات، التي تشهد وفرة في الموارد المالية التي تتنافس على خيارات استثمارية محدودة، كما تشهد موجة من الحماس تعتري المستثمرين من جميع فئات المجتمع لتمويل الإصدارات الجديدة، التي فاقت خلال الشهور التسعة الماضية من هذا العام 1,8 تريليون درهم، أي ما يزيد على أربعة أضعاف الناتج المحلي للإمارات، إذ تجاوزت الاكتتابات في شركة ''الدار'' العقارية في أبوظبي إجمالي الناتج المحلي للإمارات، وفاق الاكتتاب في شركة ''الطاقة'' ضعفي الناتج المحلي للدولة، واستقطبت ''اللوجيستية'' 80 ضعف المبلغ المطلوب للاكتتاب، فيما يتوقع أن يتجاوز حجم المبالغ المكتتب بها في شركة ''دانة غاز'' 600 مليار درهم، بينما لا يتجاوز مبلغ الاكتتاب المطلوب ملياري درهم تقريباً·
ورغم أن الاكتتاب في شركة ''دانة غاز'' ومن قبلها شركة ''طاقة''، يعد إنجازا جديدا في مجال استقطاب شركات نوعية، فإن البنية الهيكلية لسوق الأسهم لا تزال ضعيفة، حيث انحصر 78% من حجم تداولات السوق خلال هذا العام في قطاع الخدمات، و19% في قطاع البنوك، بينما بدأت الشركات العاملة في نطاق هذه القطاعات تقترب من سقف طاقتها الإنتاجية، ما يحتّم ضرورة ضبط بوصلة الإنفاق الاستثماري، ليس داخل هذه الأسواق وحدها، بل على مستوى الاقتصاد القومي بصفة عامة·
إن تفعيل دور أسواق الأسهم في حركة التنمية الاقتصادية يتطلّب سياسات اقتصادية تركز على توفير درجة أعلى من حرية العمل للقطاع الخاص، وإزالة أي معوقات تحدّ من قدرة هذا القطاع على ممارسة الدور المطلوب منه، ربط أسواق الأسهم بمشاريع الخصخصة الرئيسية بشكل أوسع بحيث تتخذ الأنشطة التي يتم نقل ملكيتها للقطاع الخاص شكل الشركات المساهمة العامة وذلك حتى يستفيد أكبر قطاع ممكن من المواطنين من هذه المشاريع وحرصاً على عدم تركيز الملكية ضمن قاعدة ضيقة في القطاع الخاص، وإعادة صياغة القوانين التي تنظم عمل أسواق الأسهم بحيث تكون داعمة للتوجّهات الاقتصادية التنموية، من خلال خطط استراتيجية طويلة المدى وقصيرة المدى يتم من خلالها تحديد الأهداف الاقتصادية والبرامج والمشاريع التنموية التي يمكن تحقيقها من خلال أسواق الأسهم·
إن تفعيل دور أسواق الأسهم المحلية في التنمية يتطلّب تعزيز آليات الاقتصاد الحر· وبالنظر إلى الاقتصاد الإماراتي يلاحظ أنه يعمل وفقاً لنظام الاقتصاد الحر، إلا أنه ما زالت هناك معوقات تعرقل حركة رؤوس الأموال· ومن العوامل الأساسية التي تعزز من دور أسواق الأسهم في دعم التنمية الاقتصادية إفساح المجال أمام القطاع الخاص للعمل في مختلف الأنشطة الاقتصادية في ظل القوانين والضوابط المطبّقة وتقليص دور القطاع العام بحيث يبتعد هذا القطاع عن الأنشطة ذات الطبيعة التجارية والتي يمكن أن يزاولها القطاع الخاص بكفاءة أعلى· ويبقى على الحكومة أن يكون دورها مكمّلاً لدور السوق ومتناغماً معه، فتتركه يعمل طالما هو ينجح وتتدخّل عندما يفشل·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae