تبدو سماء بلداننا العربية ملبدة بغيومٍ ثقيلة تنبىء بغزارة أحداثٍ جسام متلاحقة لا تسر أحدا، فالأفق العربي مظلمٌ إلى حد القتامة، والجسد العربي مثخن بجروحٍ عميقة، مما يستوجب طرحاً شفافاً لعلل الواقع العربي ونكران ذاتٍ عال نستأصل خلاله أوراماً خبيثة تفتك بذلك الجسد ولن يجدي معها ترقيع أو تجميل لوجهٍ بات شاحباً، بل لا بد من إصلاح جذري، يشمل تفعيل الحراك السياسي الداخلي في بلداننا، مروراً بإصلاح إقتصادي وإجتماعي، وليس انتهاء باعادة النظر في مناهج تعليم عقيمة تغذي لدى شعوبنا الكراهية تجاه الآخر وتشعره بالمنة على غيرنا في تطورهم الحضاري وتصوير الحال كما لو كنا نحيا حياةً رغيدة يحسدنا عليها الآخرون، أكثر مما تساعده على الإبداع وخلق حياة جديدة له· فلسنوات طويلة ونحن نتعكز على صراع عربي- إسرائيلي كمبرر ساذج لعدم الإتيان بشيء جديد، لم تعد هذه شماعة تستوعب كثرة أخطائنا، فخلال سنوات الصراع حرصت إسرائيل على قيام دولة القانون والتداول السلمي على السلطة والفصل بين السلطات ولم تجعل منه أداة لقمع مواطنيها، في المقابل كان الحرص عندنا شديداً على ترسيخ النموذج البوليسي للدولة· إن توجيه التهم ضد دعاة الإصلاح ومخاطبتهم عبر شعارات انتهت صلاحيتها، أصبح الآن مجرد حيلة لإطالة أعمار بعض الأنظمة الشمولية التي تعمل بقوانين فاقدة للشرعية·
كما أن الدعوة للوقوف أمام هجمة شرسة تطال خصوصيتنا هي باطل يراد به باطل، فالخصوصية لا تمنع تجاذباً حضارياً علينا القيام به لاستخلاص منافع لنا فيه· لقد ( منّ ) الله علينا بثروة نفطية وفيرة ولولا هذا الغرب (المعادي)، كما يصفه أصحاب الخطاب المؤدلج، لما علمنا بوجودها أصلاً· علينا إذن مخاطبة منابت الإدراك السليم لعقل جمعي عربي غير مدرك لعمق مأساته وينقاد دون وعي حقيقي نحو الهاوية، وقد طال به الوقوف أمام قطار عالمي يحث الخطى مسرعاً ومبتعداً عنه بما يحمل من متغيرات سياسية وإقتصادية وإجتماعية كبيرة، ونحن إزاءه كالمأخوذة أنفسهم إلى بارئها وقوفاً، ومن غير هذا نكون بانتظار ساعة صفرٍ لتاريخٍ جديد يحمل لنا معه زلزالاً شبيها لا نجاة منه·
علي السيد جعفر- أبوظبي