ستنضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ولو بعد حين·· وسوف تتوج المباحثات الشاقة الجارية حالياً بين الطرفين باتفاق يرضي الأتراك والأوروبيين حتى لو استمرت المفاوضات 15 عاماً كما حذر وزير خارجية بريطانيا جاك سترو الأسبوع الماضي، والذي وصف مراحل التفاوض لانضمام تركيا إلى الأسرة الأوروبية الموحدة بأنها ستمتد إلى عقد ونصف وستكون ''صارمة وتمثل تحدياً''·
ولكن ما زال أمام الطرفين الكثير لكي يرضي أحدهما الآخر·· فرغبة السياسيين في الاتحاد الأوروبي بالسماح لضم تركيا، تصطدم برفض شعبي أوروبي لهذا الانضمام، أما تخوف المفكرين والاقتصاديين الأوروبيين من ضم تركيا دون أن تحقق أولا شروطاً صارمة لتصل إلى السقف الذي رفعه البرلمان الأوروبي، فإنه يصطدم بكبرياء الشعب التركي الذي يرى أن تلك الشروط -التي تعتبر غير ملزمة لبقية الدول الأعضاء- تنتقص من تشبث الأتراك بقوميتهم وبكبريائهم، وهم الذين ما زالوا يعيشون في خيالات الماضي عندما كانت الإمبراطورية العثمانية تحكم أكثر من ربع القارة الأوروبية، وتصل إلى أبواب فيينا!
وعلى الرغم من تعهد وزير الخارجية التركي عبدالله جول خلال لقائه مع نظيره البريطاني سترو الأسبوع الماضي، بأن ''تركيا ستكون في غضون 10 سنوات مختلفة للغاية''، إلا أن من الواضح أن المباحثات ستكون شاقة جدا، وأن المعايير الأوروبية لقبول تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي الذي يصل عدد أعضائه اليوم إلى 25 عضوا، سوف ترهق الأتراك كثيرا·· فصعوبة المفاوضات تكمن في أن على أنقرة الوفاء بمعايير الاتحاد في مجموعة من الموضوعات تشمل السياسات في قطاعات الزراعة والطاقة والبيئة والتجارة·· أضف إلى ذلك مسائل حقوق الإنسان والأقلية الكردية، وجملة لا حصر لها من الإصلاحات السياسية··
فمن بين تلك الإصلاحات المطلوبة من تركيا ضمان الاستقلال القضائي فيها، ورفع مستويات الحقوق الثقافية وحقوق الإنسان ومواصلة جهود وقف النفوذ السياسي للجيش وتحسين ظروف الأقلية الكردية في البلاد·
ومن الواضح أن تركيا ليست مثل بلغاريا وهنجاريا ودول البلطيق والتشيك التي لم تستغرق مفاوضات انضمامها للاتحاد الأوروبي سوى بضعة شهور كأكثر تقدير·· بل الأمر يتعلق هنا بدولة يصل عدد سكانها إلى حوالي 65 مليون نسمة، وحسب التقديرات الرسمية، فإن من المتوقع أن يتجاوز عدد سكانها سكان أكبر الدول الأعضاء من حيث عدد السكان وهي ألمانيا (حوالي 80 مليون نسمة) عام ·2015 أي أن تركيا ستصبح في هذا العام أكبر أعضاء الاتحاد الأوروبي من حيث السكان!
وهذا الوضع يثير قلق الأوروبيين، حيث ستكون له تبعات مزعجة لهم، على اعتبار أن الوضع الديموغرافي سوف يؤثر في عملية التصويت وفي تمثيل تركيا في الاتحاد·· أضف إلى ذلك أن تركيا، على الرغم من كبر حجمها السكاني، إلا أنها تعتبر تقريبا أفقر الدول الأعضاء إذا تمت مقارنتها ببقية الأعضاء الخمسة والعشرين·· وبما أن الاتحاد الأوروبي ينفق غالبية أمواله وميزانياته الضخمة على الزراعة وتقديم المساعدات إلى المناطق والشعوب الفقيرة في الدول الأعضاء، فإن تركيا تحتاج إلى الاثنين معا، الدعم الزراعي والمساعدة المالية المباشرة لمكافحة الفقر بصورة كبيرة، وهذا الوضع من شأنه أن يثقل الميزانية الأوروبية التي تعاني أصلا من مشاكل تمويلية خطيرة وتحتاج إلى إصلاحات جدية مع أو بدون تركيا·
تركيا·· ستكون المعضلة الأوروبية الجديدة للعقد القادم على أقل تقدير··