المشهد الأول:
سيدة تقف لدى أكشاك الصدقات في إحدى الجمعيات التعاونية بالدولة، وتليها أخرى ويمتد طابور ينتظر فرصة عطاء، وفي مراكز التسوق المشغولة بالترويج لتجارة العيد وطعام رمضان، هناك أيضاً سيدات يقفن لدى كل كشك·
المشهد الثاني:
شاب ثلاثيني في سيارة محملة بما يزيد عن مئة صندوق تحوي تمراً، وربما شيئاً آخر، ويمر بها على المساجد وكأنه يسعى لأجر من نوع جميل وقيم·
المشهد الثالث:
مساجد التراويح تعج بالمصلين··· والمحاضرات الدينية صارت مقصداً لكثيرين يبحثون عن أنفاس رمضان وروحه وتمتد أيدي الجميع لمن يعطي للجميع·
المشهد الرابع:
ما زال ''الفريج'' بعافيته، وبموائد الخير المتبادلة وبالبحث عن فقير يعطى من الطعام حتى لا يكون مصير ''النعمة'' سلة القمامة، وحتى يكون أيضاً لهم أجر الصائم والذي فطر صائماً·
مشاهد غير منتهية من خير يأتي من الجميع ويذهب للجميع، ما زال الإسلام متغلغلاً في الدم والنبض والبحث عن تطبيق صحيح بعيداً عن تفاسير لا ترى في المسلمين إلا حفنة إرهابيين لابد من اجتثاثهم أو قلبهم أشباح، ولا تعرف هوية لسان أو الروح···
وعلى طبق من ذهب يقدم لهم بعضنا قرابين التنازلات فننحني لرياح الإذلال، رغم أن لنا العزة كلها والاطمئنان كله حين يكون الإسلام لنا منهجاً وسلوكاً·
مجتمعنا معافىً وبعيداً عن هواية إراقة الدماء، وعطاء كأعظم ما يكون العطاء دون مقابل ودون استعراض بطولي، ودون غرور يرفضه المسلم الحق·
لكن من يترك هذه العافية تكبر وتتسع، بينما الأبواب مشرعة لرياح قاسية وجارحة، ولمحاولات كونية لسلب هذه الروح وقتل ذلك الفضل الذي ليس لأحد مثله؟ السكاكين مشهرة، وأول ''الغيث- اللعنة'' هذا الاستلاب اللغوي والبحث عن بديل بذريعة التجديد والتحضر، وكأنهم لم يعلموا أنه حتى لو كانت لغتهم لسان حديثنا فسنظل الأذلة لأننا بلا هوية وبلا كرامة· كيف يأتى لليابان كل ذلك التقدم وهي التي حاربت لتحافظ على روحها وتراثها وقيمها الموغلة في القدم!
كل الخير مدعاة للفرح والفخر ببشر من هذا النوع؛ مسالمون عطاؤون وبعيدون عن حكايات العبث والأنانية، مثل هؤلاء كل ما يحتاجونه حماية من هذا الموج العاتي الذي يبدو أعلى من هامات الحصون والمقاومة والمبادئ الأصيلة·
وتأتي مبادرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ''حفظه الله'' لتكرس هذه القيم وهذه الصفة التي كان المجتمع على الدوام متمتعاً بها إلى أقصى الحدود، حين بادر إلى إعطاء المتضررين من آثار الزلازل الأخير في باكستان·
الأمر الملح هنا أن يحافظ هذا المجتمع على فطرته وأخلاقه ودينه، بعيداً عن تشوهات قد تؤدي إلى هلاكه وإلى خلق فئة إرهابية حقيقية وإن تغيرت المسميات·
ليس كمثل هذا الوطن وطن، وصور رمضان ومشاهده ذات ألق مختلف، ومذاق بعيد عن حمى التنافس الهدام، إنه العطاء بروحه دون أية تفاصيل أو رتوش أو حتى استعراض·
أماني محمد