يسود تخوف حالياً من أن يطوي النسيان الإنجازات الكبيرة التي تم تحقيقها في أفغانستان وتدخل مرحلة جديدة تهدد بتبديد الجهود المضنية التي كانت وراءها· فلحد الآن لم ترسل الدول المانحة ما يكفي من الأموال المخصصة للجهود الإنمائية، كما أن المنظمات الغربية غير الحكومية لم تنجح في إدارة شؤون الإعمار على نحو فعال ومحترف· ومن جانبها فشلت باكستان في تطويق عناصر ''القاعدة'' و''طالبان'' وإلقاء القبض عليهم· لذا فإن كل ما أخشاه أن يتبدد الأمل الذي لاح في الأفق أثناء الانتخابات الرئاسية خلال شهر أكتوبر الماضي، بالإضافة إلى الانتخابات التشريعية الأخيرة التي ولدت التفاؤل في قلوب الناس· وإذا ما تعرضت عملية إعادة الإعمار للمزيد من التعثر، فليس مستبعداً أن تتحول أفغانستان مرة أخرى إلى قاعدة للإرهاب الإسلامي العالمي·
فبعد أربع سنوات على قيام قوات التحالف بقيادة الولايات بالإطاحة بنظام ''طالبان'' وطرده من السلطة، مازالت فلول ''القاعدة'' وبقايا النظام البائد تشن الهجمات داخل أفغانستان متخذة من الأراضي الباكستانية المجاورة ملاذها الآمن، وقاعدتها الخلفية لتنفيذ عملياتها العسكرية· وقد أدت تلك الهجمات المتكررة إلى مقتل ما لا يقل عن خمسين جندياً أميركياً والمئات من القوات الأفغانية، فضلا عن تعطيلها لجهود إعادة الإعمار، خصوصا في المحافظات الواقعة على الحدود مع باكستان· وبينما كان عدد الجماعات التي تشتبك مع القوات الأفغانية على الحدود لا يتعدى خمساً إلى عشر جماعات خلال السنة الماضية، حسب ما أكده لي بعض شيوخ القبائل الذين التقيت بهم، ارتفع عدد تلك المجموعات خلال هذه السنة إلى أكثر من 70 مجموعة·
وبالرغم من قيام الجيش الباكستاني بعمليات عسكرية على نحو منتظم في منطقة وزيرستان الحدودية بهدف إلقاء القبض على العناصر المتسللة، وإعلانه المتكرر عن إغلاق الحدود، إلا أن الرئيس برويز مشرف مازال يلعب مع جنرالاته لعبة مزدوجة حول أفغانستان· وعلى الأرجح سيستمر ذلك طويلاً ما لم يضغط الرئيس بوش والكونجرس الأميركي على مشرف كي يوقف سياسته تلك· وفي حديثي مع المواطنين الأفغان أعرب أغلبهم عن استيائه من الوتيرة التي تمضي بها الأمور فيما يتعلق بإعادة الإعمار مؤكدين أن معظم الوعود التي أطلقتها الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي لم تتبلور بعد على أرض الواقع· وما من شك أن الوضع تحسن قليلا بعدما شقت بعض الطرق، وبنيت المدارس، لكن وبعد أربع سنوات على انطلاق جهود إعادة الإعمار مازالت كابول تفتقد للكهرباء، ومازالت طرقها غير معبدة، ناهيك عن افتقارها لنظام الصرف الصحي وتوزيع المياه· ويظهر النقص الكبير في عمليات إعادة الإعمار بشكل واضح في المناطق الريفية، حيث أخبرني أحد الأطباء الذين يعملون في محافظة هيرات أن العديد من النساء الحوامل يفقدن حياتهن في الطريق إلى المستشفيات نظراً لصعوبة المسالك وبعد المسافة· واللافت فعلا أن خمسة مليارات دولار من الأموال المخصصة للإعمار لم تستطع شراء محطة واحدة لتوليد الطاقة، رغم الدور المهم للكهرباء في التنمية الزراعية والصناعية·
ويكمن جزء كبير من المشكلة في المنظمات غير الحكومية العاملة في أفغانستان، حيث يفوق عددها ألف منظمة· وغالباً ما تقوم تلك المنظمات بأعمال يفترض أن توكل إلى الأجهزة الحكومية الأفغانية· كما أن الاحتفاظ بهذا العدد الكبير من المنظمات يستنزف المزيد من الموارد ويكلف أموالاً باهظة إلى حد جعل الأفغان يتندرون بالقول إنهم كانوا في السابق يعانون من الغزو السوفييتي، ثم من حكم ''طالبان''، والآن يعانون من المنظمات غير الحكومية· بالإضافة إلى ذلك مازالت مؤسسات الدولة في أفغانستان ضعيفة وغير مؤهلة لإدارة شؤون المواطنين بشكل فعال·
وأمام هذا الوضع المتردي فإنه يتعين على الولايات المتحدة والدول المانحة، أن تقضي على جميع أشكال ومظاهر سوء الإدارة التي تشوب عملية إعادة الإعمار وأداء المنظمات غير الحكومية· كما أنه يتعين نقل الوظائف الحكومية التي يقوم بها الأجانب إلى أيدي المواطنين الأفغان، ووضع كافة المؤسسات العمومية والخاصة تحت الإدارة الأفغانية بأقصى سرعة ممكنة·