بلغ عدد سكان دولة الإمارات في نهاية العام الماضي نحو 4,7 مليون نسمة، بمعدل نمو سكاني بلغ نحو 7,5% في العام، وهو من أسرع المعدلات في العالم، إن لم يكن أسرعها، حيث يزيد عدد سكان دولة الإمارات، وفقاً لهذا المعدل، كل عقد من الزمان· ومع تسارع معدلات النمو السكاني في الإمارات، تتسع وتتنوع القاعدة السكانية أيضاً، حيث تنضاف أعداد كبيرة من الوافدين إلى المواطنين، بمعدل ربع مليون في العام تقريباً· ومن خلال التوسع الاقتصادي الكبير الذي تشهده دولة الإمارات، تتولد زيادة مماثلة في الطلب على العمالة الوافدة، في معادلة صعبة تستوجب الربط بين المتغيرين ومعالجة القضايا السكانية والاقتصادية من خلال استراتيجية تنموية موحدة· وفي ظل غياب سياسات سكانية واضحة المعالم، باستثناء وجود سياسات سكانية تنموية جزئية في مجالات الصحة والتعليم، إضافة إلى جهود مقدرة للتعامل مع اختلال التركيبة السكانية، والتي تعد من أبرز المشكلات التي تعترض برامج التنمية، لا تزال قضية إدماج السياسات السكانية في خطط التنمية الشاملة أحد أبرز تحديات المرحلة، ذلك لأن المتغيرات السكانية ترتبط بصورة عضوية بعناصر التنمية الشاملة، بمفهومها الحديث، الذي يتعدى مجرد '' النمو الاقتصادي''· فالسكان هم محور التنمية وهدفها الأساسي، وهم من يصنع التنمية، ولهم ومن أجل رفاهيتهم تخطط البرامج التنموية·
وفي ظل غياب مفهوم واضح للسياسات السكانية وأبعادها، تفشل محاولات تطبيق جميع السياسات الجزئية المنفردة والمعزولة للسياسات السكانية، بل إن إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الأجنبية، الذي أصبح الخطر الأكبر الذي يهدد قواعد الأمن القومي بمفهومه الشامل، أصبح أقرب إلى الشكوى منه إلى التطبيق، ذلك لأن السياسات السكانية المتبعة حاليا لا توحي بإمكانية الاستغناء عن العمالة الأجنبية حتى على المدى البعيد·
وفي ظل الموارد الاقتصادية الوفيرة والنمو الاقتصادي المتسارع في جميع أركان الدولة، تصبح العمالة الوافدة الملاذ الوحيد لسد النقص في متطلبات مشروعات التنمية، وبالتالي إزالة العائق الرئيسي أمام استمرار هذا النمو الاقتصادي، إلا أن هذه العمالة بصفة جزئية، والزيادة السكانية بصفة شاملة، تمثلان ضغطا متناميا على البنية التحتية وتفرضان تكاليف اقتصادية وأمنية واجتماعية باهظة· وبهذا المفهوم، فإن مزيدا من التوسع الاقتصادي يجر معه مزيدا من العمالة الوافدة· وللمحافظة على وتيرة التوسع الاقتصادي، وفي الوقت نفسه الحد من تدفقات العمالة الوافدة، لابد من الربط بين المتغيرين ومعالجة القضايا السكانية والاقتصادية من خلال استراتيجية تنموية موحدة، تعمل على إعادة تنظيم القطاعات الاقتصادية الرئيسية، وذلك بالتركيز على الصناعات كبيرة الحجم وكثيفة رأس المال والتكنولوجيا، في جانبها النوعي، بينما تزيد من فعالية العمالة المواطنة على حساب العمالة الوافدة، في جانبها الكمي· إلا أن الدخول إلى هذه الاستراتيجية لا يكون إلا من باب ''الحجم الأمثل للسكان''، الذي لا يزال موصدا، حيث لا يستطيع أحد أن يجيب عن السؤال: ما هو الحجم الأمثل لسكان دولة الإمارات؟
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae