ربما سنحتاج إلى حملة جديدة نطلقها ونصرخ في محاضراتها مرددين ''لا للدراما الساقطة''·
إذا كانت جمعية توعية ورعاية الأحداث قد تبنت فكرة محاربة الفضائيات الهابطة فإن الواجب يحتم علينا جميعا الوقوف وبحزم أمام هذه الهجمة المثيرة التي تقوم بها بعض الفضائيات العربية وخاصة الخليجية وفي شهر رمضان بالذات، لتقديم مضامين درامية لا تتناسب مع قدسية الشهر الكريم من جهة، وتروج لقيم وأفكار لا تتوافق مع الأنساق السائدة أو التي يجب أن تسود في مجتمع يرفع عقيرته ليل نهار بأنه مجتمع إسلامي أولاً وعربي ثانياً·
لقد أمطرتنا محطات التلفزة الخليجية وجحور إنتاجها العربية في لهاثها المقيت خلف الجرعات الدرامية الساقطة بسيل من الأطروحات النكدية حيث استهلكت آلاف الأمتار المكعبة من الدموع التي تذرف في كل حلقة كما لو كان للصفع والركل موقع أثير عند المخرجين الجهابذة·
لقد شاهدنا النكد في مسلسلات فرضت علينا وأصبحت مقررة في هذا الشهر، وهي مسلسلات كانت ولا زالت تقدم صوراً فوتوغرافية لإسقاطات شخصية لأمراض وجدانية إما لكاتبات يمتلكن حقدا دفيناً تجاه كل ما هو مرتبط بالرجل ويحاولن إعادة كتابة تجاربهن الفاشلة المضنية، أو مخرجين أصابهم هوس الانتقام ولذة حشر عدد كبير من الصبايا في مشهد واحد، وكأن الدراما وجواز المرور للشهرة يجب أن يمرا من تحت عباءة أو جينز أو مكياج ممثلة لا زالت تحبو في عالم الوقوف أمام الكاميرا·
إن ما يثير الغصة الحقيقية وقوف أكثر من ممثلة كبيرة صاحبة خبرة وأعمال يعتد بها ورؤية وتجربة وأن تساهم هذه الممثلة أو تلك بالوقوف في ملعب العزف على وتر انكسار المرأة الخليجية لتقدم نموذجاً يعاني من شرخ في الوجدان وتنازل عن الدور·
إن الدراما الحقة ليست في المليودراما المغرقة في السوداوية، والمرأة العربية وعلى مر التاريخ كانت رمزا للبذل والعطاء، بذل دون تنازل عن الدور· والمرأة ليس محكوما عليها بالإعدام وهي حية ترزق، إعدام معنوي يجبرها على التحول إلى تابع مهمَّش ومهمل لرجل تسيره نزواته·
إن محاولات تشويه صورة الرجل الخليجي والمرأة الخليجية عن طريق دغدغة المشاعر استجابة لسوق الفضائيات، والتي قلت أكثر من مرة، إنها فقدت بوصلتها الإعلامية وتنازلت عن الدور التنموي، سيكون لها أثر كارثي على مجمل العلاقات الأسرية· وستحدث أكثر من صدع في علاقة الرجل بالمرأة، وأوسع شرخ في علاقة الأب بالأبناء، لأن النماذج المقدمة في هذه الدراما الساقطة أصبحت مرتبطة بعادات المشاهدة وإدمان المتابعة الرمضانية·
التنازل عن الدور يحيلنا إلى سؤال الإخوة القائمين على هذه الفضائيات لنقول لهم: ما هو الهدف من تقديم هذا الكم من النكد والغم والاستعراض الأنثوي الجارح لمشاعر الصوم؟
ما هو الهدف من هذا الإسفاف الذي يتفق الناس على أنه زاد عن الحد؟ ما هو الهدف من إهدار مئات الملايين من الدولارات على مسلسلات مغرقة في التفاهة على مستوى الطرح والمعالجة والتقنية الفنية والرؤية الإبداعية؟ لصالح من تجري عمليات التسطيح والنخر في قيم أفراد المجتمع وتحويلهم إلى مجرد متلقين سلبيين؟
حتى لا ينصب جام غضبكم على مديري المحطات ومديري البرامج، أنقل لكم نتـفاً من حوار جرى بيني وبين واحد من المدافعين عن فكرة تحويل وسائل الإعلام إلى ماكينات لصك النقود· يؤكد الرجل أن وسائل الإعلام يجب أن تعمل كل ما في وسعها لتكون مؤسسات ربحية ولا يهم في ذلك الوسيلة لأن الغاية هي النجاح المادي· وكلما استطعنا أن نقنع المعلن بزيادة عدد المشاهدين كلما كان من الممكن زيادة الدخل الإعلاني· ويؤكد وبكل ثقة أن النظريات الإعلامية والأخلاقية لا يمكن أن تتوافق مع توجهاته!! في إعلام ربحي، ويضرب لنا مثلا بنجاح محطة إذاعية وتحولها من الخسارة إلى الربحية دون الاعتماد على نهج إعلامي، ولكن لقدرتها على التسويق، ويعتبر ذلك عبقرية إعلامية في حد ذاتها·
مكمن الشر عزيزي القارئ يندس تحت هذه الرؤية الفاقدة للبصيرة والتي تعتبر الإعلام شركة ربحية وليس رسالة تربوية وتعليمية وتثقيفية وتنموية أن هذه العقليات بنهجها الاقتصادي وتحولها لديناصورات متوحشة قادرة على إقناع القائمين على رسم سياسات الإعلام الحكومي بالتنازل عن الدور وتقديم المصلحة الخاصة المرتبطة بالأرقام على حساب أخلاق وقيم ومستقبل الأجيال·
تجار الإعلام لا يهمهم إن دمرت الأخلاق أو هتكت أستار العلاقات الزوجية الخاصة، ويشاطرهم في التوجه مجموعة كبيرة من الإعلاميين العرب الجشعين الجاثمين على صدر الإعلام الخليجي يستنزفون ثرواته ويحرمون أبناء الخليج من الحصول على فرصة عمل·
إن واقع الدراما العربية المغرق إما في الهروب إلى الفنتازيا التاريخية لتسريب فكرة، أو الهروب إلى عوالم الوهم ومساحات الخيانة والغدر، يقدم لنا لوحة سريالية محزنة ومخيفة للدور الممكن أن يلعبه الفن الساقط في التخريب المتعمد· إن إحراق ملايين الدولارات من عائدات النفط الخليجي في هذا الهرج المسمى دراما لغرض دفع ملايين العرب إما لشراء