ها نحن على مشارف توديع رمضان وقد جاوزنا منتصفه، وها هم الناس ألاء يستعدون لوداع هذا الشهر كلاً حسب علاقته به، فمنهم من تمنى لو أن الدهر كله رمضان، وآخرون ودعوه عملياً بعد الأسبوع الأول، وفئة ثالثة خلطت عملا صالحا بآخر سيئ، لكنهم جميعا قد صاموا هذا الشهر الكريم· النتيجة ليست سواء، وهي ما يظهر بعد رمضان، فـ''من صام هذا الشهر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه'' كما ورد في الحديث المتفق عليه· وهنا وقفة مهمة كي نتدارك ما قد يكون فاتنا من هذا الشهر قبل أن نكون من المحرومين في نهايته، هذه الوقفة تتطلب من الإنسان الصراحة مع الذات ومراجعة بعض التصرفات التي يقوم بها دورياً، كل ذلك كي نجود في عبادتنا لنغنم يوم الجائزة· هذا الفضل بحاجة منا إلى مجاهدة ومحاولة إصلاح هذه العبادة كي نقوم بها على أكمل وجه· ففي الحديث عند البخاري قال عليه الصلاة والسلام ''من لم يدعْ قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدعَ طعامه وشرابه''· وفي الحديث المتفق عليه عنه صلى الله عليه وسلم ''اذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم''· هذه الأحاديث تمثل نوعا من إعجاز هذا النبي عليه الصلاة والسلام فكأنه يعيش بيننا ويرى تصرفات بعض المسلمين في شهر الأخلاق حيث يتفلت بعضهم من أخلاقه تحت حجة الصيام فهناك من يتأخر عن الدوام مثلا لأنه صائم وآخر يغلب عليه الضيق والتأفف والضجر لأنه صائم· ومن الناس من يحلم أنه صائم لأنه ينام كل اليوم إلا قليلا، ماذا سيفعل هؤلاء بعد رمضان إن كان هذا حالهم في الشهر المبارك الذي يعيننا الله فيه على الطاعة؟ ففي الحديث المتفق عليه عنه عليه الصلاة والسلام ''إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ''، فإذا كان حال الشياطين كما ذكرها الرسول عليه السلام فما بال البعض يتصرف في رمضان كأنه شيطان؟ هذا السؤال طرحه عليَّ بعض طلبتي فرددت معلقا، أن للشيطان مدرسة مدتها أحد عشر شهراً، وفي إجازته السنوية في رمضان تتصرف النفوس حسب تفوقها في العام الدراسي الشيطاني· فطلبة الشيطان المتميزون، يستمرون في المنهاج حتى مع غياب المعلم، أما الطلبة الفاشلون في هذه المدرسة فهم الذين يجاهدون أنفسهم كي يتحرروا من هذا القيد الكبير الذي كانوا أسارى له خلال العام، والناجح في هذه الفئة هو الذي يودع مع رمضان بعض ما تعلمه في مدرسة الشيطان، والفاشل في رمضان هو من يمارس فيه بعض ما تعلمه في تلك المدرسة، وعندما تأتي ليلة العيد، يرجع مرة أخرى طالبا مجتهدا مع إبليس وشعاره كما قال الشاعر:
رمضان ولىَّ هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق
بعد هذا كله حدد عزيزي القارئ موقفك من مدرسة رمضان هل أنت من الناجحين فيها، أم أنك طالب مجتهد في مدرسة الشيطان، هذا القرار ذاتي لا يستطيع أحد أن يصدره نيابة عنك، لكنني أرى أن رمضان مدرسة تستحق التجريب، فمنهاج رمضان هو منهج السعادة المفقودة ففي الحديث المتفق عليه ''الصيام جُنة'' أي وقاية وفي نفس الحديث ''للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه''· فهنيئا للفائزين في يوم الجائزة التي نذوق منها كل يوم تجربة لحظة الفطر، حيث يشعر الجميع بسعادة لا يعرف مصدرها وهو واضح أنها السعادة التي يذوقها من نجح في مخالفة رغبات النفس غير المستقيمة، سعادة تغمر كل من كان للرحمن طائعاً وللشيطان عاصياً، فهل من مشمر فيما بقي من الشهر؟