يشبّه المراقبون ما تقوم به أوروبا حاليا من خطوات مشددة لمراقبة اكتساح مرض انفلونزا الطيور القارة الأوروبية قادما من البلدان الآسيوية، بمحاولة صد اجتياح عسكري تشنه جيوش جنكيز خان· لذا تبدو الصحف ومحطات التلفزيون منشغلة هذه الأيام بعرض الخرائط ووضع الأسهم التي تشير إلى طرق الطيور المهاجرة· كما يتم رسم نقط حمراء على تلك الخرائط تمثل الدول المجاورة التي ربما لا تطبق المعايير الوقائية بحذافيرها، أو تلك المهددة بانتشار الفيروس فوق أراضيها· وتعتبر مقدونيا آخر البلدان على قائمة الدول الأوروبية التي اكتشف فيها الفيروس بعدما سبقتها كل من تركيا ورومانيا· وهما الدولتان اللتان قامتا بإعدام أعداد هائلة من الدجاج المصاب بالفيروس بعدما اشتبهت السلطات بانتقال العدوى إليه عبر الطيور المهاجرة·
وقد قام الاتحاد الأوروبي خلال الأسبوع الماضي باتخاذ سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى تطويق المرض، حيث أقدم على توسيع حظره المفروض على استيراد الدواجن وريش الطيور من روسيا التي أعدمت في الآونة الأخيرة أعدادا كبيرة من الدجاج المصاب· وفي مسعاها لمحاصرة المرض قبل أن يتفشى قامت مجموعة من الدول الأوروبية بمنع اختلاط الطيور البرية مع الدواجن، فأرغمت المزارعين على إبقاء دواجنهم في حظائر لوقايتها من العدوى· وبالرغم من هذه الإجراءات الاحترازية المشددة، إلا أنه لا يوجد لحد الآن اتفاق بين الخبراء حول الخطر الحقيقي لانفلونزا الطيور على حياة الإنسان· فالفيروس المسبب للمرض عند الدجاج لا ينتقل بسهولة إلى البشر، ولحد الآن لم تُسجل أية إصابة بشرية في أوروبا· أما في آسيا حيث المركز الرئيسي للمرض، فلم يصب بالعدوى سوى 67 شخصا بما في ذلك شخص من تايلاند أعلن عن وفاته في الأسبوع الماضي·
وفي الوقت الذي يؤكد فيه العلماء أن الخطر على حياة الإنسان لن يكون حقيقيا، إلا إذا تطور الفيروس وأصبح قادرا على الانتقال من شخص إلى آخر، مازال المسؤولون الأوروبيون يتأرجحون بين عبارات التوجس والخوف وعبارات مطمئنة للجمهور· وقد برزت هذه الإشارات الملتبسة من المسؤولين الأوروبيين بشكل واضح خلال الأسبوع الماضي عندما انتقد وزير الداخلية السويسري باسكال كوشبين والمكلف بقضايا الصحة ''الهستيريا'' التي تحيط بانفلونزا الطيور قائلا ''إنه من المستحيل أن ينتقل إلى الإنسان''· لكن الأمر يختلف في لوكسمبورغ حيث أصدر الاتحاد الأوروبي بيانا يحذر فيه من ''التهديدات العالمية'' ودعا إلى ''استجابة دولية منسقة''· وعلى صعيد متصل قامت فرنسا بتخزين أكثر من 15 مليون جرعة من الدواء ''تاميفلو'' المضاد للفيروسات تحسبا لانتشار المرض على نطاق واسع· وللمزيد من الاحترازات قال جيل بروكر، المدير العالم للمعهد الوطني لمراقبة الصحة العمومية بأنه تم تخزين أكثر من 100 مليون قناع للوجه، فضلا عن طلب السلطات الفرنسية لنحو 100 مليون قناع آخر مع نهاية السنة الجارية· وإلى ذلك أدخلت السلطات الصحية الفرنسية شخصين إلى المستشفى بعدما تم الاشتباه في إصابتهما بالمرض، لكنهما سرعان ما خرجا بعدما أظهرت الفحوصات عدم إصابتهما بالعدوى·
وفي إيطاليا تمتلك السلطات الصحية مخزونا من دواء ''تاميفلو'' يصل إلى 150 ألف جرعة، فضلا عن طلبها 6 ملايين جرعة إضافية لمواجهة حالة الطوارئ· لكن وزير الصحة الإيطالي أشار إلى الجدل الدائر في الأوساط الطبية حول مدى فعالية ''تاميفلو'' في مواجهة انفلونزا الطيور· ولتهدئة مخاوف المواطنين طمأنت السلطات الإيطالية المستهلكين على سلامة لحوم الدجاج مؤكدة أن العدوى لا يمكنها أن تنتقل عبر أكل لحوم الدجاج، لا سيما إذا كانت مطبوخة جدا· ومع ذلك أمرت الحكومة بأن يتم الاحتفاظ باسم دولة المنشأ ملصقا على لحوم الدجاج ليقرر المستهلكون ما إذا كانوا يرغبون في شراء الدجاج المستورد أم لا· كما شرعت الحكومة الإيطالية في مناقشة مسألة فرض حظر على قنص الطيور خوفا من أن تكون الطرائد مصابة بالفيروس ما يمكنه أن يؤدي إلى انتشاره فوق الأرض·
من جانبه صرح مفوض الاتحاد الأوروبي للصحة في لندن ماركوس كيبرايانو أنه من الحكمة الحصول على كميات كبيرة من الدواء المضاد للفيروسات تكفي على الأقل ربع سكان الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 450 مليون نسمة· كما اقترح وزير الصحة البلجيكي أن يتولى الاتحاد الأوروبي شراء الأدوية اللازمة رافضا ترك الأمور للحكومات المحلية· وفي غضون ذلك تجاهد بمفردها الدول التي توجد على خطوط المواجهة لاحتواء الفيروس قبل انتشاره· فقد قامت بلغاريا بفرض حظر على وارداتها من الدجاج من تركيا ورومانيا، كما قامت هنجاريا برش الشاحنات القادمة من رومانيا بمواد مطهرة لتفادي انتقال الفيروس إلى أراضيها· وعلى صعيد آخر يبدو أن المستهلكين بدأوا يتخذون احتياطاتهم الخاصة، حيث شهدت مبيعات الدجاج في إيطاليا تراجعا ملموسا نتيجة تخوف المشترين من إصابته بالعدوى· وقد جاء نفور المستهلكين من شراء لحوم الدجاج قاسيا على المنتجين والباعة ما حدا ببعضهم إلى تعليق لافتات فو