تعقيباً على ويليام فاف.. لنكتب احتراماً للعراق
كم مرة تمنيت أن يعيرنا كتاب غربيون بلاغتهم السياسية وشجاعتهم الأدبية، لنزود بعض كتابنا العرب بنزر منها يحتاجونه أشد الاحتياج! وقد عاودتني تلك الأمنية وأنا أقرأ مقال ويليام وفاف ''ألم يحن رحيل الأميركيين من العراق؟!'' المنشور يوم الجمعة الماضي على هذه الصفحات الرائعة، وقد حلل فيه جملة الأسباب والذرائع التي تجعل الرئيس الأميركي يبقي على قوات احتلاله في العراق، رغم أن الواقع والظروف القائمة هناك والحسابات المالية والكلفة السياسية لذلك الوجود·· كلها تدعوه إلى سحب جنوده من بلاد الرافدين! وكما يقول فاف فإن ''البيت الأبيض يستوعب بالطبع حقيقة أن الحرب على العراق قد خرجت عن نطاق سيطرته وأن التخطيط العسكري أمر باهظ التكلفة عسكرياً، كما أنه يشكل قنبلة انتخابية موقوتة بالنسبة للجمهوريين''· وخلافاً لبعض كتابنا الذين اعتادوا الرقص على انفجارات القنابل والصواريخ الأميركية في العراق، يوضح فاف أن دور واشنطن وممارساتها في العراق تجاوزا كل حدود ورسما أفق الاخفاق الكامل لمجمل المشروع الامبراطوري الذي حركها نحو غزو بلد مستقل وذي سيادة: ''الحقيقة أن الحرب تمضي بشكل سيئ وأن الاستفتاء على الدستور·· لم يقدم حلاً سياسياً·· وأن الانقسام الطائفي ربما يكون قد تعزز بعد أن تمت الموافقة عليه ضمنياً في بنود ذلك الدستور''!
وإذا كانت الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية فيما آل إليه العراق من انقسامات، فذلك بسبب مشروعها الطائفي التقسيمي، إلا أن العراقيين، رغم كل ذلك، هم في الواقع ''شعب متحضر حكم نفسه لألفية كاملة قبل العثمانيين·· ثم حكم نفسه بين عامي 1921 و··2003 وكانت حكوماته جيدة حيناً وسيئة حيناً آخر·· لكنها كانت مستقلة في جميع الأحوال''·
وكم أتمنى أن يقرأ كتابنا العرب الذين راهنوا مراهنات زائفة على الاحتلال الأميركي كرافعة نهضوية للعراق إلى مستوى ألمانيا أو اليابان، كلاماً كذلك الذي يكتبه ويليام وفاف حتى يكتبوا ببعض الاحترام الذي يستحقه شعب عريق كالشعب العراقي المكسور والمحبط·· بنا نحن العرب!
طه مسعود - لبنان