القصة أكثر تعقيداً
المقال الذي كتبه الدكتور برهان غليون في صفحات ''وجهات نظر'' يوم الأربعاء الماضي، بعنوان ''دمشق بين المواربة وموقف الضحية''، حمل ''إدانة'' مسبقة لأداء النظام السياسي والدبلوماسي السوري في تعامله مع التصعيد الذي أعقب جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري· والحقيقة أنني بعد قراءتي لهذا المقال توصلت إلى ما يشبه القناعة بأن موقف الكاتب المعارض مسبقاً للنظام هو الذي أملى عليه تلك ''الإدانة'' المسبقة كذلك· وغني عن التوضيح أن هذا ليس من الموضوعية في شيء· فالمطلوب من الكاتب المفكر في مثل هذه اللحظات العصيبة من تاريخ الوطن والأمة هو أن يكون له موقف ملتزم بالمصلحة الوطنية العليا، أو على الأقل أن يلتزم ما تقتضيه الموضوعية من حياد وتجرد، وأن يحلل الموضوع الذي يكتب عنه دون انحياز أو تحامل أو حتى تصفية حسابات قديمة·
ومن وجهة نظري الخاصة، وقد أكون مخطئاً، أن الدكتور برهان غليون لم يراعِ في مقاله لا هذا ولا ذاك، وإنما راح يكيل التهم بالتقصير والعجز عن إنجاز الاستجابة المناسبة لرفع التحدي الخارجي الذي بدأ يلقي بكلكله على المنطقة· ولكن الحقيقة التي تحاشى الكاتب الكريم الإشارة إليها بكل حرص، هي أن الاستهداف الأجنبي لسوريا ولبنان والمنطقة استغل جريمة اغتيال الحريري لكي يتدخل في المنطقة تدخلاً عنيفاً يخلط الكثير من المعطيات والأوراق ويلحق أبلغ الضرر بالأمن القومي العربي خدمة للمصالح الاستراتيجية الإسرائيلية والأميركية في المنطقة· وحتى لو كان حادث اغتيال الحريري، رحمه الله، لم يقع أصلاً، لاختلقت قوى الاستهداف الدولية مبرراً آخر، ولتدخلت على أساسه·
وعندما تصبح المصلحة الوطنية مهددة، والتدخل الخارجي ماثلاً على الأبواب، فإن آخر ما نريده من كتابنا ومفكرينا هو ضيق الأفق وتصفية الحسابات الشخصية، والطموحات الفردية محدودة الغايات وعديمة الفائدة أيضاً·
غسان مينو - دمشق