إذا كانت الضغوط الدولية المتعاظمة ضد سوريا، هي ما أجبرها على الإعلان عن استعدادها للتعاون مع لجنة ميليس للتحقيق حول اغتيال رفيق الحريري، فإن هذه الضغوط أيضا أتت أكلها لجهة قبول دمشق بإعادة فتح ملف المأساة الكردية في سوريا! فمسألة الأكراد السوريين ليست مجرد إشكال سياسي أو معضلة قومية، لكنها أيضا مأساة إنسانية بكل المقاييس· فمثلا يوجد الآن في المحافظات السورية الشمالية أزيد من 400 ألف كردي بلا أوراق ومحرومون من الجنسية السورية، بما يترتب على ذلك من معاناة يومية كثيرة! وتعود هذه المشكلة الحقيقية إلى عام 1962 عندما أجري إحصاء وطني حُرم بموجبه نحو 200 ألف كردي من حق التسجيل، حيث اعتبرتهم السلطة وقتها غرباء على سوريا· والحقيقة هي أن النخبة ذات التوجهات القومية الشوفينية التي مارست توجهاً إقصائياً وحلمت دوماً بوطن سوري عربي خالص عرقياً وثقافياً، هي التي حالت دون حق الأكراد في تثبيت أسمائهم على سجلات الإحصاء!
ورغم أن الأحزاب والقوى والشخصيات الكردية حاولت منذ ذلك التاريخ إقناع مراكز القرار العليا في البلاد، بضرورة إنهاء مأساة ذلك العدد من أبناء سوريا الأكراد، فإنه لم يكن هناك أي تجاوب من جانب السلطة التي، بدلا من ذلك، مارست حملات تنكيل واسعة ضد المدن والقرى الكردية آخرها أحداث القامشلي قبل أقل من عامين!
ولعل الوطن السوري الذي خسر عقوداً من التنمية والانفتاح والتطور الديمقراطي، هو الآن بأمسِّ الحاجة إلى انطلاقة جديدة، بدايتها مصالحة وطنية شاملة بين فئات الشعب السوري وأطيافه الدينية والمذهبية والعرقية· ولا يمكن أن يحدث ذلك طالما أن فئة كبرى محرومة من حقوق المواطنة في حدودها الدنيا، أي أوراق الهوية الثبوتية!
بهجت مسعود - دمشق