في الأسبوع الماضي، أعلن محمود أحمدي نجاد الرئيس الإيراني الجديد أن إسرائيل'' يجب أن تُزال من على الخريطة''· وكانت تلك في الحقيقة لحظة من تلك اللحظات التي استرجعت الماضي، واعادت إلى الأذهان صور الرئيس المصري جمال عبدالناصر، الذي دعا العرب منذ أربعة عقود من الزمان لـ'' إلقاء إسرائيل في البحر''· والآن، وكما في الماضي، شهق المجتمع الدولي بسبب ما اتسم به التصريح من افتقار لقواعد الدبلوماسية، ولكنه- الآن كما في الماضي أيضا- لم يكن يتخيل أن يكون الرئيس الذي يتفوه بهذه الكلمات جاداً·
فقد سارع الدبلوماسيون الإيرانيون إلى تبرير الملابسات التي أحاطت بإدلاء أحمدي نجاد بهذا التصريح، كما أن الرئيس الإيراني من جانبه سعى إلى التخفيف من وقع كلماته· ولكن، وكما أشار أحمدي نجاد نفسه، فإن تصريحاته لم تكن بالجديدة· وهناك فارق بين ناصر وبين أحمدي نجاد هو أن مصر عبد الناصر كانت مجاورة لإسرائيل، أما أحمدي نجاد فهو على النقيض من ناصر سيتعين عليه أن يجعل جيشه يقطع 1000 كيلو متر عبر الخليج العربي والبادية العربية قبل أن يستطيع تنفيذ تهديده· صحيح أن طهران قد قامت بتطوير صواريخ بعيدة المدى يمكنها ضرب إسرائيل، ولكن من الصحيح أيضا أنه ليس في مقدورها سوى تسليح هذه الصواريخ برؤوس كيماوية فقط· والقيام بإطلاق مثل هذه الصواريخ على إسرائيل، التي تمتلك جيشا قوياً سيجلب موتاً ودماراً لا حدود له لشعب أحمدي نجاد·
لذلك، يمكن لنا أن نتساءل: هل إسرائيل بحاجة للخوف من تلك الخطابية الشعبوية الطنانة لرئيس إيراني مندفع يبدو أنه يستخدم إسرائيل ككبش فداء لاكتساب المزيد من الدعم لحكومته الآخذة في التداعي؟ ألا يجب على إسرائيل أن تكون راضية، لأن الرئيس الإيراني قد ساهم بتصريحه في زيادة عزلة بلاده ووضع تصرفاتها تحت رقابة دولية متزايدة؟
الإجابة هي بالنفي· فهناك العديد من الأدلة التي توافرت لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تثبت أن إيران مصممة على الحصول على أسلحة نووية· فمنذ أربع سنوات قدم ''هاشمي رافسنجاني'' ، وهو السياسي الذي يفترض أنه معتدل، السبب المنطقي الذي يدعو إيران إلى استخدام الأسلحة النووية على النحو التالي:'' في أي تبادل لإطلاق الأسلحة النووية، فإن إيران ستكون قادرة على تحمل ضربة ثانية··· في حين أن استخدام الأسلحة النووية ضد إسرائيل لن يترك منها شيئا متبقياً على الأرض''· والآن فإن أحمدي نجاد قام بشرح السبب المنطقي الإيديولوجي، حيث قام بتبرير تهديده لإسرائيل، في سياق صراع الإسلام المستمر منذ قرون ضد الكفار·
سوف يشير البعض إلى أن إيران أمامها على الأقل خمس سنوات قبل أن تحصل على أسلحة نووية، وأن المجتمع الدولي قد احتشد لمنع ذلك الاحتمال من الحدوث· ولكن هذه الحجة في الحقيقة تغض النظر على سلاح آخر تستخدمه إيران ضد إسرائيل هو: الحرب بالوكالة التي تشنها عليها منذ عقدين من الزمان· ووكلاء إيران المبدئيون هما منظمتان إرهابيتان: ''حزب الله'' الذي ينطلق من جنوب لبنان، ومنظمة ''الجهاد الإسلامي'' الفلسطينية التي تقوم بتنفيذ عمليات إرهابية ضد السكان المدنيين الإسرائيليين· وفي التسعينيات، استخدمت إيران هذين الوكيلين لإحباط جهود التسوية السلمية التي قامت بها إدارة بيل كلينتون، كما أن الهجمات التي قامتا بها هي التي أدت إلى هزيمة ''شيمون بيريز'' في الانتخابات الإسرائيلية عام ،1996 والتي أدت بدورها إلى تجميد عملية السلام· ثم جاء نجاح ''حزب الله'' في إرغام الإسرائيليين على الانسحاب من جنوب لبنان في مايو 2000 ليقدم الأساس المنطقي الذي قامت عليه الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي أدت إلى تدمير عملية السلام·
وبعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، قام ''حزب الله'' فوراً بتأييد الهجمات الإرهابية الفلسطينية داخل إسرائيل
(مثبتا بذلك كذب ادعائه بأنه مجرد منظمة مقاومة لبنانية)· وقد تم كشف النقاب عن الدعم الإيراني لتلك العمليات عندما تم اعتراض الباخرة ''كارين'' وهي تقوم بنقل شحنة من الأسلحة الإيرانية من الخليج العربي إلى قطاع غزة·
وبمجرد انتقال الحرب التي تتم بالوكالة عن إيران، من لبنان إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن منظمة الجهاد الإسلامي هي التي تقدمت إلى الواجهة· وكانت حركة ''حماس'' قد قامت أثناء الانتفاضة بالتوقف عن نشاطها مؤقتا عدة مرات لأسباب تكتيكية· وفي كل مرة كان هذا التوقف أو الهدوء المؤقت يتم خرقه بهجوم تقوم به منظمة ''الجهاد الإسلامي''، مما كان يستدعى انتقاما إسرائيليا، يؤدي بدوره إلى إعادة ''حماس'' مرة أخرى إلى حلبه الصراع· وبهذه الطريقة أبقت إيران على الانتفاضة مشتعلة إلى أن جاء الوقت الذي لم يعد الفلسطينيون قادرين على مواصلتها·
وخلال التسعة شهور التي تماسك فيها وقف إطلاق النار غير الرسمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فإن منظمة الجهاد الإسلامي كانت هي المسؤولة عن التفجيرات الانتحارية الأربعة الكبيرة التي تمت ضد إسرائيل، بما فيها تلك التي تمت في الخضيرة الأسبوع ا