انتخب النائب عمير بيريتس، الأمين العام لاتحاد نقابات العمال، ''الهستدروت'' رئيسا لحزب العمل الإسرائيلي بعد أن فاز على منافسه شيمون بيريز، الشخصية التاريخية للحزب· وأفادت النتائج الرسمية للاقتراع التي نشرت مؤخرا أن بيريتس فاز بـ(42,53%) من الأصوات مقابل (39,36%) حصل عليها بيريز بينما حصل المرشح الثالث وزير البنى التحتية السابق بنيامين بن أليعازر على (16,82%) من الأصوات· ووصف مراقبون وسياسيون إسرائيليون فوز بيريتس على رئيس حزبه (نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي) المخضرم بيريز بـ''الانقلاب'' و''الزلزال'' الذي هزّ أُسس الحلبة السياسية الإسرائيلية· وقد شبه كثيرون فوز بيريتس غير المتوقع بفوز حزب الليكود بزعامة ''مناحيم بيغن'' في عام ،1977 وهو الفوز الذي مكن حزب الليكود من تولي السلطة لأول مرة في إسرائيل بعد حوالي ثلاثة عقود من حكم حزب العمل· وعمير بيريتس، الزعيم النقابي المولود في المغرب، هو أول يهودي شرقي، وزعيم غير عسكري، يتولى رئاسة حزب العمل· وهو لم يكف يوما عن إدانة السياسة الاجتماعية التي تتبعها الحكومة التي يشارك فيها حزبه· هذا من جهة· ومن جهة ثانية، فإن بيريتس من المعتدلين الواضحين في موضوع السلام مع الفلسطينيين· وقد نشط في الماضي في حركة ''السلام الآن'' أكبر حركة إسرائيلية معارضة للاستيطان في الأراضي الفلسطينية· وقد استقبل انتخاب بيريتس بالارتياح في الوسطين العمالي واليساري وأيضا في أوساط فلسطينيي 1948 ''عرب إسرائيل''، بل إنه أعطى بصيصا من الأمل للإسرائيليين أنصار السلام في الخروج من الإحباط واليأس اللذين خيما عليهم وإخراج العملية السلمية من الجمود السياسي، مثلما أعطى الأمل لتحقيق السلام مع الفلسطينيين، خاصة وأن لدى بيريتس قناعة بأن إنهاء الاحتلال ''مصلحة إسرائيلية أمنيا واقتصاديا''· وقال بيريتس إنه مع الانسحاب من الأراضي المحتلة، ومع تسوية سلمية تحفظ مصالح الشعبين، ومع إقامة دولة فلسطينية بجانب إسرائيل· وتابع بيريتس أن الانسحاب من ''الرمال المتحركة'' الفلسطينية يعتبر ''ضرورة وطنية من الدرجة الأولى'' بالنسبة إلى إسرائيل· ففي أول خطاب له بعد فوزه، ألقاه أمام ناشطي الحزب، أعلن بيريتس أنه سينسحب من الحكومة التي يرأسها شارون، وأعلن أن حزبا بقيادته لن يكون أبدا في حكومة برئاسة هذا الأخير، وهذا ما حصل فعلا· وبالفعل، فقد صوتت اللجنة المركزية لحزب العمل الإسرائيلي -رغم الصراعات الداخلية المرة التي سبقت الاجتماع- بالإجماع لصالح انسحاب ممثلي الحزب من الحكومة الائتلافية التي يرأسها شارون· ولذلك، طلب شارون من رئيس الدولة حل ''الكنيست'' تمهيدا لإجراء انتخابات جديدة، وقرر أيضا الانسحاب من حزب الليكود وتشكيل حزب جديد برئاسته ليخوض الانتخابات في موعدها المبكر الجديد· وهذه التطورات ''المزلزلة'' ما كانت لتكون لولا الصعود الدراماتيكي لبيريتس·
يرى المراقبون أن الحملة الدعائية التي خاضها بيريتس ساعدته على الحصول على هذه النسبة من المؤيدين خاصة في أوساط الكيبوتسات والعمال، حيث ركز على الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية اللتين شهدتا تدهورا خطيرا خلال السنتين الأخيرتين· ولأن حزب العمل برئاسة بيريز كان الداعم الأكبر لمواصلة الحكومة الشارونية، قام بيريتس ومؤيدوه بتحميل بيريز جزءاً من المسؤولية عن تدهور الأوضاع· وأضاف بيريتس: ''إن الهدف الأساسي للحزب سيكون بذل كل الجهود لإنقاذ ضحايا المجتمع الإسرائيلي الذين سبب لهم حزب الليكود برئاسة شارون أمراضا خطيرة''· ويشار إلى أن فوز بيريتس برئاسة العمل نجم بالأساس عن طرحه بقوة للقضية الاجتماعية- الاقتصادية الآخذة في التدهور في إسرائيل والمتمثلة بتقليص الخدمات والمخصصات الاجتماعية، الأمر الذي أدى ويؤدي إلى تفاقم الفقر خصوصا في بلدات اليهود الشرقيين وفي المدن والقرى العربية حيث أيضا نسب البطالة مرتفعة بشكل خاص· والجدير بالذكر في هذا السياق، أن عددا من القياديين في الليكود، بينهم وزير الخارجية سيلفان شالوم والوزير مئير شطريت، قد حذروا من أن فوز بيريتس برئاسة حزب العمل سيلحق ضررا بالليكود لأن قسما من الشرائح الاجتماعية الضعيفة وخصوصا من اليهود الشرقيين سيصوتون في الانتخابات القادمة لصالح بيريتس المغربي الأصل· وقد تطرق الأخير أيضا إلى الأقلية العربية في إسرائيل بعد أن أشارت الأنباء إلى أن أعضاء حزب العمل العرب هم الذين كان لهم الفضل في فوز بيريتس حيث قال هذا الأخير إنه (من أجل تبرير أننا (اليهود) الأغلبية في دولة إسرائيل، علينا أن نعرف كيفية التعامل مع أقلية أخرى وإلا فقدنا أغلبيتنا هنا· وأنا أعي أنه ما زال هناك جرح مفتوح وهو ما يسمى بـ''جرح أكتوبر'')، في إشارة إلى المواجهات التي وقعت بين المواطنين الفلسطينيين العرب والشرطة الإسرائيلية في أكتوبر من عام 2000 وأسفرت عن استشهاد (13) عربيا برصاص الشرطة·
لكن، هل يستطيع بيريتس تحقيق ما جاء في برنامجه الانتخابي؟ لأول مرة تتولى قيادة حزب العمل شخصية تتبنى توجهات اجتماعي