تداولت الصحافة العالمية فضيحة مراكز الاعتقال الدولية التي تديرها الاستخبارات الأميركية واعتبرت الخبر فضيحة جديدة تضاف للفضائح الأخرى التي ظهرت على السطح في الآونة الأخيرة·
الاعتراف الأميركي ما كان ليعلن لولا الضغوط الأوروبية التي تعرضت لها الولايات المتحدة· ترى هل ستعيد الولايات المتحدة، بعد هذه الفضائح، تقييم سياساتها أم ستستمر الأوضاع كما هي؟··· لا أعتقد أن واشنطن مؤهلة في هذه المرحلة لإعادة تقييم سياساتها ويبدو لي أنه إذا كانت هناك أي محاولة لإعادة التقييم فربما بعد انتخابات الرئاسة القادمة·
المعتقلات الأميركية سواء في أوروبا أو في بعض البلاد العربية نقطة سوداء في صفحة حقوق الإنسان الأميركية ومن المؤكد أنها ستزيد من حدة الاحتقان العالمي ضد الولايات المتحدة· من المؤكد أيضا أن الاستفراد الأميركي بصنع القرار جعل من الولايات المتحدة القطب الذي لا ينازع وبالتالي وجدت نفسها في وضع استمرار القوة والتلذذ بها ما جعلها تغفل الكثير من التحذيرات سواء الأوروبية أو غيرها·
الاتحاد الأوروبي مازال لا يشكل قوة رادعة للسياسة الأميركية ومازال عاجزا عن لعب دور ''القطب السوفييتي'' الذي انتهى مع الحرب الباردة· أوروبا منقسمة على نفسها ومازالت غير قادرة على صياغة سياسة توازن تضمن من خلالها الاستقرار العالمي· فرنسا وألمانيا عرفتا في محاولاتهما للحد من التفرد في صنع القرار العالمي، ويبدو لي أنهما تملكان الكثير من الخيوط التي من الممكن التأثير بها على الاتحاد الأوروبي وعلى الولايات المتحدة·
سياسة القطب الواحد أثبتت فشلها وعاد من المهم أن تتحرك أوروبا باعتبارها القوة الجديدة إلى وضع حد للاستفراد في القرار الدولي· أوروبا لديها مصالحها وقادرة على اتخاذ خطوات أكثر شجاعة في الحد من التهور الأميركي في إدارته لازمات العالم· قد تكون الحالة اللبنانية أحد الأمثلة التي من الممكن الاقتداء بها حيث دخلت أوروبا ممثلة بفرنسا على الخط واستطاعت أن تؤثر في قرارات مجلس الأمن فيما يخص الشأن اللبناني·
أوروبا لديها رؤية في الصراع العربي الفلسطيني وتملك كثيرا من الأوراق التي من الممكن أن تعجل بحل الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية·
أما الدول الإسلامية فلا أعتقد أنه من الممكن التعويل عليها في الحد من الاستفراد بالقرار الدولي، حيث مازالت هذه الدول مفككة ولا تملك رؤية استراتيجية في صنع القرار العالمي، إضافة إلى أوضاعها الاقتصادية التي تحتم عليها الخضوع للتوجهات الأميركية·
الصين باعتبارها قوة عالمية يبدو أن لديها توجهاتها الخاصة بها وهي مازالت غير راغبة في المواجهة أو حتى التنسيق في صنع القرار العالمي، وهي معنية بأوضاعها الداخلية وجهودها موجهة لمزيد من الاستثمار سواء داخل أسوارها أو خارج حدودها إلا أن ذلك يجب أن يدفعها لتنسيق جهودها مع دول أخرى كالهند على سبيل المثال·
قد تجد الولايات المتحدة نفسها في المرحلة الحالية في حالة نشوة لاستفرادها بصنع القرار الدولي إلا أنها في نهاية المطاف ستجد أمامها مصاعب كثيرة ومن ثم ستكتشف أنها بحاجة إلى مشاركة عالمية في حفظ الاستقرار العالمي، وليس أمامها إلا العودة إلى طاولة المفاوضات مع الدول الفاعلة في رسم سياسة جديدة في تعاملها مع القضايا الملتهبة والتي من أهمها استقرار العراق وتصاعد موجة الإرهاب التي تحولت إلى مصدر من مصادر الانفجارات المستقبلية التي تهدد استقرار العالم·