في عام 1945 كان مستقبل الرأسمالية باعتبارها الصيغة التنظيمية للاقتصاد والديمقراطية، وباعتبارها الصيغة التنظيمية لنظام الحكم في العالم الصناعي المتقدم أبعد ما يكون عن اليقين· أما في عالم اليوم فهناك إجماع ملحوظ بشأن الصيغة المفضلة سواء في مجال السياسة أو مجال الاقتصاد· فمع عولمة وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، أصبحت منافع العضوية في النادي الديمقراطي الغني تتبدى بوضوح على الشاشات يومياً في منازل مليارات البشر في أركان المعمورة الأربعة، الذين يطمحون بدورهم للفرص الاقتصادية، والحريات السياسية، التي وفرتها اقتصاديات السوق والمجتمعات الديمقراطية لمواطنيها·
ومع ذلك فإن التجربة اليومية التي يمر بها الكثيرون من مواطني الدول الفقيرة في مختلف قارات العالم، هي المواجهة مع الواقع المرير للحياة في دولهم الفاشلة الهشة، والمواجهة مع الاقتصاديات غير الرسمية، والحرمان من الحريات الأساسية التي ينعم بها نظراؤهم في الغرب· والشيء الذي يغذي استياء وسخط الفقراء في مثل تلك الدول، ليس هو الغرب وسياساته، ولكن حرمانهم من الحق في اتخاذ القرارات التي تحدد مصيرهم على كافة المستويات· وفي الوقت ذاته نجد أن شبكات العنف التي أعلنت الحرب على النظام والأمن الذي يحظى به السكان في العالم المتقدم، تستفيد حالياً من أراضي الدول الفاشلة لشن الهجمات وتوسيع القواعد التي تنطلق منها لنشر الخراب والدمار·
والطريق إلى تحقيق الأمن لا يتمثل فقط في الاستثمار في المؤسسات الأمنية التي يمكن أن تصل فاتورتها السنوية في أي دولة من الدول الهشة إلى مليارات الدولارات سنويا· فالتحليلات المستمرة التي يجريها حلف ''الناتو'' بشأن أفضل السبل لتحقيق الأمن في أفغانستان، أظهر أن المؤسسات الموثوق بها، والممولة بأموال عمومية، ستساهم في تحقيق الأمن بشكل أفضل مما يساهم فيه نشر القوات في مختلف أرجاء البلاد· والنقود وحدها لا تحقق المطلوب خصوصا إذا ما عرفنا أن مثل هذه الدول لا يمكن ترجمة النقود فيها دائما إلى رأسمال، لسبب بسيط هو أن حكم القانون والشفافية والقدرة على التنبؤ عناصر غير متوافرة بها· إن ''الدولة'' هي أكثر الطرق كفاءة واقتصادية لتنظيم المجتمع وتحقيق رفاهية السكان، تماما مثلما أن ''الشركة'' هي النهج الأكثر فعالية في الاقتصاد التنافسي· ولهذا فإن الحاجة إلى الدولة التي تقوم بالوظائف المنوطة بها بشكل جيد، غدت من أهم الموضوعات وأكثرها حساسية في عصرنا هذا· والمؤسسات السياسية والاقتصادية العالمية بدورها، يجب أن يكون لها هدف جديد يتمثل في دعم ظهور الدول التي تستطيع الوفاء بوظائفها الحيوية· وهذا الهدف يوفر إجابة موحدة أو طريقة موحدة لحل وإنجاز الكثير من المشكلات، مثل أزمة الديون التي تعاني منها معظم الدول الفقيرة، وإنجاز ''أهداف تنمية الألفية''، وتحقيق الأمن·
يستلزم الأمر أيضاً أن نحدد ماهية الوظائف التي نريد من الدولة أن تقوم بإنجازها، حتى تصبح لها شرعية داخلية أمام شعوبها ومصداقية خارجية أمام المجتمع الدولي· وفي هذا الإطار قمنا باقتراح مكون من 10 وظائف حيوية يجب على الدول الحديثة أن تقوم بإنجازها· وهذا الإطار تمت المصادقة عليه من قبل مجموعة من قادة مرحلة ما بعد انتهاء الصراع في أفغانستان العام الماضي· وهذه الوظائف تشمل المحافظة على احتكار الوسائل الشرعية للعنف، ورعاية رأس المال البشري، وخلق وتنظيم السوق· كما اقترحنا أيضا أن يتم استنباط استراتيجيات لبلورة سيادة الدولة، وبناء الأمم، لتمكين الدولة من إنجاز وظائفها العشر· وهذه الاستراتيجيات مدعومة باتفاقيات ومعاهدات بين قيادات الدول والمجتمع الدولي من جانب، وبين المواطنين من جانب آخر، من أجل خلق دول قادرة على الوفاء باحتياجات مواطنيها· وبدلا من إصدار ألوف التقارير كما هو الوضع حاليا، يجب أن يكون هناك تقرير عالمي واحد عن كفاءة الدولة يتم إعداده بمشاركة المجتمعات المدنية والعالمية، ويتم إصداره من قبل منظمة دولية موثوق بها·
ولضمان النجاح يجب أن تحظى المنظمات الدولية باهتمام متجدد· وعلى الرغم من بعض نواحي القصور الواضحة التي تعاني منها الأمم المتحدة والمنظمات المالية الدولية، فإن هناك إجماعاً على أنها لو لم تكن موجودة لتم اختراعها· ويجب علينا لذلك ألا نخضع للدعاوى الخاصة بإلغاء هذه المنظمات، أو حتى اتخاذ إجراءات تؤدي إلى إضعافها·
إن إعادة بث الحيوية في أوصال هذه المنظمات ستتطلب عناية مستمرة من زعماء مجموعة الدول الصناعية الكبرى في العالم الذين يتعين عليهم الاتفاق على برنامج لإصلاح تلك المنظمات· ومن المهم للغاية في هذا الصدد أن تتم إعادة تعريف مهام تلك المنظمات وتنسيق أنشطتها· وفي المقابل فإن هناك حاجة لأن تصبح قياداتها نماذج للشفافية في تجنيد وتقييم وترقية أطقم العاملين لديها· ووكالات الأمم المتحدة، بحاجة إلى مصادر كافية تمكنها من الاضطلاع بمهام بناء الأمم في الدول الهشة التي تمزقها الصراعات· وضمن هذا الإطار، فإن القرار الذي تم اتخاذه في قمة الأم