قال تعالى ''وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المفلحون'' صدق الله العظيم، هكذا يعبر المؤمن عن حزنه على فقيد الوطن الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، وإن كان للقلم أن يخط الكلمات المناسبة في حق فقيد الوطن فهو يعلن القصور قبل البدء، فمآثر الفقيد أكثر من أن تحصر في هذه المساحة المحدودة لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، وملخص القول في هذا الميدان إن الفقيد يمثل مدرسة في الرقي والسمو تحتذى، وله منهج ينبغي أن يدرس، وهذا المنهج له معالم نقف معها بعض الوقفات، لكن قبل هذه الوقفات هناك مقدمة لا بد أن ترصد·
عندما يكتب الله تعالى في لوحه المحفوظ أقدار الناس، فإن البشر ليس لهم إلا التسليم بهذا القضاء والقدر، لكن مما يهون على الإنسان مصائبه تزامن هذا القدر مع الأيام المباركة التي تمر علينا، فإننا نعرف أن لله تعالى في دهره أياما هي أفضل من غيرها، وقد كان رحيل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في شهر رمضان المبارك· وإذا كان القضاء والقدر قد تخير للشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم هذه الأيام المباركة كي ينتقل من حياتنا التي نعرفها إلى حياة أخرى نجهل مجرياتها، فنسأل الله له في هذه الأيام الرحمة والغفران وأن يبدله دارا خيرا من هذه الدنيا، وأن هذه الأمة برحيل الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم تفقد رجلا من الطراز الفذ الذي أسهم مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في بناء الأسس التي قامت عليها الدولة ولازالت ترتوي من ذلك النبع الذي عجز الناس عن فهم مقتضياته وحكمه، لكن هكذا كان جيل التأسيس للدولة رجال صدقوا العهد الذي أخذوه على أنفسهم، ولعلنا نقف وقفات مع سمات المنهج الذي خطه فقيد الوطن في حياته·
من أبرز سمات المغفور له كما يرويها لنا من عاصره وتعامل معه عن قرب، التواضع الذي يميز شخصيته، فهو موجود بأفعاله لكنك لا تكاد تسمع له صوتا، وهكذا الرجال أعمالهم هي التي تشير لهم أكثر من أقوالهم، وذلك التواضع جعله بعيدا كل البعد عن الرسميات التي كان لا يحبها، فبابه مفتوح لكل طارق، ومجلسه عامر بكل وافد، وصدره مفتوح لكل سائل حتى عرف الكرم به، ويصدق في أمثاله قول الشاعر العربي:
تـــراه اذا مــا جئتـه متـهللا
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
فمن منا ينكر كرم الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم ''رحمه الله''، فأهل دبي يعرفونه بالكرم لأنه لا يعرف كلمة ''لا'' كما قال الشاعر العربي أيضا:
ما قال لا إلا في تشهده
لولا الشهادة كانت لاؤه نعم
أما على الصعيد الإداري فله سمة يعرفها كل من تعامل معه ألا وهي القرار، فهو ''يرحمه الله'' صاحب قرار حازم له نظرة بعيدة ومستقبلية في كثير من الأمور التي يراها الناس اليوم في الإمارات عامة وفي دبي خاصة، ومن هذه السمة أنه إذا قرر أمرا لا يتدخل في التفاصيل بل يترك لجهة التنفيذ تحويل ذلك القرار إلى عمل، ومن النادر أن يتدخل في هذه الأعمال بعد إقرارها، فقد كانت له ''يرحمة الله'' حكمة في توزيع المهام على من يثق في كفاءته وحكمته·
ومن أبرز السمات في شخصية المغفور له بإذن ربه، إعداده لجيل من القادة يحولون الرؤية إلى واقع، ولعل أبرز من يذكر هنا إخوانه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وسمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم فقد كانا صمام الأمان للرؤية والحلم الذي كان الفقيد يرسمه معهما، وهما على نهجه في إعداد قادة في شتى الميادين يديريون الأعمال بروح الفريق حتى أنك لا تدري بينهم من القائد الفعلي ومن هو المنفذ، وهذه سمة ناجحة في إدارة الأعمال بروح الفريق، وبالذات إذا كان هذا الفريق مطعما بأجيال من الشباب يخوضون التجربة تحت إشراف جيل القادة، نعم هكذا تدار الأعمال هنا، وقد يستغرب الناس من هذا الانتقال المثالي للسلطة دونما مشاكل أو تعقيدات، إلا أن الأمور مرسومة وفق منهجية رائدة يدرك كل عضو في هذا الفريق الدور الذي يلعبه وفي نفس الوقت يعرف كل عضو مستقبل الأمور التي تنتظره فهو يعمل بروح المستقبل، هكذا كان المغفور له يدير الحياة في الإمارات كرئيس لمجلس الوزراء وفي دبي كحاكم لها ·
ومن السمات التي تسجل لفقيد الوطن أنه وضع الإنسان في رؤيته قبل المكان، وقد وفرت الحكومة لهذا الانسان ما يعينه على متطلبات الحياة الكريمة من تعليم راق، ومراكز صحية تناظر مثيلاتها في العالم المتحضر، وهذان ركنان أساسيان ينبغي عدم التفريط بهما في خضم خطط التطوير وبرامج المستقبل الذي نراه، فتأمين المسكن المناسب للانسان، وإعداده تربويا لمتطلبات التنمية، ومتابعته صحيا··· كل هذا وغيره كفيل باعداد الانسان الذي نريده وهذه أمور ينبغي عدم التفرط بها، وهي من أبرز سمات منهج الشيخ مكتوم التي نعرفه بها·
اذهب إلى المحكمة، هكذا كانت الأمور تدار عندما تتأزم فقد عرف عن الفقيد أنه مناصر للقوانين التي تحكم الناس، ولا يتدخل في أعمال القانون بل يحيل الناس لها متى ما تأزمت الحياة وتعقدت الأشياء،