قال الله تعالى ''كل نفس ذائقة الموت'' صدق الله العظيم، بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره استقبل شعب الإمارات العربية المتحدة صبيحة يوم أمس الأربعاء نبأ وفاة الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم ''رحمه الله''· ولا شك أن وفاته خسارة كبيرة ليس لدولة الإمارات فقط ولكن لسائر العرب، لما عرف عن سموه من مواقف وأدوار في خدمة شعبه وأمته·
''يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي'' صدق الله العظيم·
برغم إيمان الإماراتيين بقضاء الله وقدره وأن الموت أمر محتوم، إلا أنهم فجعوا كما فجع العالم بأكمله برحيل المغفور له بإذن الله الشيخ مكتوم، وقد بدت علامات الحزن والأسى على وجوه الجميع وتبادل الكل التعازي بصدق في فقيدهم واعتبروها فجيعة جديدة في تاريخ دولة الإمارات، بعد أن فجعوا بوفاة قائد مسيرة الاتحاد وباني الإمارات - قبل عام وشهر - الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ''رحمه الله''·
نعم··· لقد عم الحزن أرجاء الإمارات واعتصرالأسى القلوب بعد أن انتشر نبأ الوفاة بين الناس، فهو خبر لم يكن أحد يتوقعه، إلا أنه القدر الذي انسحب على الأجل المحتوم ليعلن عن ترجّل فارس إماراتي وعربي آخر، رحل عنا جسداً لا روحاً، إذ ترك لنا المغفور له إنجازات شامخة تشير إلى بقائه بيننا··· رغم رحيله، فقد حمل مكتوم أمانة بناء وطنه ورفعته وسار به في دروب الإنجازات بصمت حكيم وصبر حليم واستطاع أن يؤدي أمانته على أكمل وجه··· فـ''اشهد يا مكتوم أنك فزت بحب شعبك''·
لقد كان الشيخ مكتوم رمزاً من رموز العطاء لوطنه ولشعبه، وقد عمل على ترسيخ مسيرة البناء والتنمية، ولذلك أحبه شعبه وحظي باحترام وتقدير المؤسسين الأوائل لاتحاد دولة الإمارات، ليكون أول رئيس وزراء الدولة الاتحادية عام ،1971 كما نذر سموه حياته لخدمة أمته العربية فأسدى لها خدمات جليلة فكان مثالاً للمسؤول المخلص ورمزاً للعطاء وقدوة للعمل، كما كان مكتوم قبساً يستضاء بحكمته ورأيه في المواقف الصعبة· وسخر عمره وطاقته في خدمة أمته· ولا يسع المجال هنا -مساحة- لعد مناقبه وحصر مآثره، ولأنني لن أوفيه حقه ولأن الحزن يعتصر القلوب في هذا الظرف المؤلم·
أقول: لقد فقدناه مواطناً مسؤولا -إماراتيا وخليجيا وعربيا- أسهم في سجل التاريخ وستبقى ذكراه محفورة في ذاكرتنا وذاكرة الأجيال، القادمة··· ''يغيب الجسد ويظل مكتوم حاضراً'' في قلوب الإماراتيين جميعا·
''إنها دمعة فراق···'' هكذا الأحزان دوماً تأبى إلا أن تفاجئنا ونحن على غير موعد، بل بدون استعداد لاستقبال الأحزان··· الموت قدر مكتوب ولكنها إرادة الحياة نتمسك بها جميعاً، وبالأمس عند سماع نبأ وفاة الشيخ مكتوم، لم استطع الانفكاك من وقع الخبر وتكالبت على رأسي تداعيات حزينة وذكرتني بألم وداع صعب عشناه جميعا قبل عام أو يزيد قليلا بوفاة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فتضاعفت الأحزان وكأننا جميعاً على موعد مع محطات الفراق رغم أن محاولاتنا لتجفيف الدموع وللخروج من دائرة الحزن لم تفلح بعد·
ماذا نفعل···؟! إنها إرادة الله التي لا نملك تجاهها سوى التسليم بقضاء الله وقدره وأيضا الدعاء الخالص بأن يغفر الله لفقيدنا الغالي الشيخ مكتوم ويتغمد روحه برحمته· اعترف بأن سطوري هذه خرجت بمشقة وعناء لأن المصاب-الجلل- كان قد أخذ مني ما أخذ من غياب للتركيز الذهني وألم يصعب معه العودة إلى القلم، ولكني لملمت شتات نفسي وحاولت تجميع قواي الذهنية الخائرة، فلفقيدنا علينا حقوق كثيرة أقلها أن نعبر عن شعورنا تجاه غيابه المؤلم·
لا بد لكل إنسان من لحظة فراق··· واليوم يطوي الموت صفحة إماراتية بيضاء بها من الإنجازات··· والخير··· والعطاء··· والبناء··· ما يجعلها شامخة أمام الأجيال القادمة مثالا يحتذى بأفعاله وأقواله· فرحم الله الشيخ مكتوم بن راشد آل ،إنه الوداع الذي لا يرجى معه لقاء إلا في الحياة الآخرة، وهي المصيبة التي تتضاءل معها المصائب الأخرى··· وهي الفاجعة التي تهون عندها كل فاجعة، وهي المحك الحقيقي للصبر وقوة الاحتمال للشعب الإماراتي والعربي والعالم أجمع·
رحم الله الشيخ مكتوم رحمة واسعة وأسكنه واسع جناته وألهم شعب الإمارات الصبر والسلوان، و''إنا لله وإنا إليه راجعون''·