كنا كلما وطئنا أرض دبي نشعر بسعادة غامرة، كون المدينة تقابلنا بحميمية فائقة واحترام جم منذ وصولنا المطار -الذي لا تأخذ فيه أكثر من ربع دقيقة لختم جواز سفرك وأخذ أمتعتك في دقائق- وهذه خصلة تضاف إلى جمال دبي· لكن دبي الجميلة المتسربلة دوماً بلباس الفرح والبهجة والجديد، تعيش هذه الأيام حزناً لا مثيل له برحيل راعي النهضة الحديثة، ومؤسس دروب الاقتصاد ومباني الفرح، المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد الذي انتقل إلى جوار ربه بعد حياة حافلة بالعمل الدؤوب على خطى والده رحمه الله الشيخ راشد بن سعيد·
وإذا كان الحزن واجبا على الرجال الذين يبنون ولا يهدمون، ويهبون اليد السخية ولا يقترون، ويشاركون شعوبهم السراء والضراء، فإن الحزن على الشيخ مكتوم يتجاوز الحزن العادي كون الرجل من أبرز بناة اتحاد الإمارات العربية المتحدة مع إخوانه حكام الإمارات، ومن الأركان القوية في صرح الاتحاد· كما أن له دورا مشهودا في النهوض بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي في دبي، وهو ما جعلها هونغ كونغ الشرق، بل وتجاوزت ذلك لأن تكون مدينة صناعية ومعبراً للتجارة ومقراً للشركات العملاقة التي وجدت في هذه المدينة الأمن والاستقرار وخدمات البنى التحتية التي قلما تجدها في عواصم عربية نشأت قبل دبي بمئات السنين·
نقول إن الحزن على رحيل مكتوم واجب ويخترق الإحساس، ذلك أن الرجل كان اتحادياً وليس قُطرياً فقط· فقد آزر أخاه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيلة اضطلاعه بمهام نائب رئيس الدولة في بناء دولة الإمارات العربية المتحدة، والإسهامات السياسية والاقتصادية للدول العربية والمشاركة في ملمات قضايا الأمة العربية، كما كان له دور مؤثر في مسيرة مجلس التعاون الخليجي في السنوات الأخيرة حيث حضر أكثر من قمة خليجية نيابة عن الشيخ زايد رحمه الله·
وإذا كان مكتوم قد ملك زمام السياسة والرأي الاقتصادي وسكنته هواجس تطوير دولة الإمارات العربية المتحدة، فإنه أيضاً كان محباً للثقافة والتراث والرياضة، وله سمعة دولية في مجال الفروسية والخيول· ناهيك عن دوره الاجتماعي المحلي في دعم المؤسسات التي تعنى بالإنسان وتهذيبه وتنشئته النشأة السليمة·
وإذا كان الموت حقا، وكلنا إلى موت، فإن العزاء الوحيد في فقد الرجال هو أن يخلفهم رجال مثلهم، يستلهمون العبرة والحكمة من سابقيهم· وها هو الشيخ محمد بن راشد، فارس الإمارات يتسلم راية البناء والإعمار في دبي· رحم الله الشيخ مكتوم وأسكنه فسيح جناته وألهم آله وذويه وأهل الإمارات الكرام الصبر والسلوان، وأعان الشيخ محمد بن راشد على حمل المسؤولية ومواصلة درب الفقيد لتحقق دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة ما يرجوه أبناؤها من تقدم وخير وسؤدد·