خرج السودان من أزمات عديدة، ودخل أخرى أيضا، خلال العقود الأخيرة، ومع الوصول الى حلحلة لأزمة من الأزمات المتكررة، يتوهم السودانيون أنهم بلغوا مرحلة الإقلاع وأن الوقت أصبح مناسبا للانهماك في تحقيق التنمية والبناء الداخلي وشروط الحياة العصرية لكل السودانيين!
وبعد أن طال أمد الأزمة التي أحرقت الأخضر واليابس في جنوب البلاد، وأنهكت جميع أطرافها وتخطت كل حدود الطاقة والتحمل لدى كيان ولد على فراش الاحتلال الأجنبي! جاء الفرج أخيرا في أكناف اتفاقيات ''نيفاشا''، ووضع الجنوبيون سلاحهم ضد الدولة السودانية، وأوشكنا أن نبدأ في لملمة شظايا العقود الدامية ومداواة الجراح الدفينة وإعادة تأهيل الشخصية السودانية لخوض آفاق ومضامير جديدة··· وفجأة تطاير شرر الحرب وتفجر الأخوة الدينية في دارفور شلالات من الدم ودخان المواجهة· وفيما تزداد مشكلة دارفور تعقيدا واستعصاء، يوما بعد آخر، إذ تتداخل في قلبها حسابات داخلية واقليمية ودولية مختلفة، فقد أصبح للشرق هو أيضا جبهته، وتكررت ''الحركة الشعبية'' كاسم لكيانات جديدة، وأصبح العديد من المارقين والساعين الى غنيمة يرى في نفسه نسخة مكررة من جون غرنغ الذي دخل الخرطوم أخيرا ولقي فيها استقبال الأبطال! بل إن جماعات كثيرة أصبحت ترى أن البندقية ستحقق لها مثلما حققت للجنوبيين وقد انتزعوا بواسطتها ما انتزعوا من الدولة!
وهكذا فإن السودان في حقبته الحالية يواجه اختبار بقائه الأكثر قسوة وعنفا، أي امتحان بقائه كدولة ذات وحدة ترابية ووطنية، على غرار الدول الأخرى في باقي بقاع الأرض!
وإذا ما استمر التدهور على وتيرته التاريخية، فلا أحد سيعرف إلى أين يسير السودان، أو في أي اتجاه أو مصير!
عوض عبد الرحمن- القاهرة