باستطاعة أي مراقب محايد وموضوعي أن يتبين أن دولة الإمارات العربية المتحدة بعد قرابة أربعة عقود من تجربتها الاتحادية الناجحة، قد نجحت في إعداد أجيال من القيادات السياسية القادرة والمؤهلة لتولي إدارة شؤون الدولة في مختلف المجالات·
والذين تابعوا كيفية انتقال السلطة سواءً بعد وفاة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أو عقب وفاة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، تأكدوا تماماً أن دولة الإمارات العربية المتحدة تجاوزت مرحلة التجريب السياسي إلى مرحلة النضج· وأدرك الجميع أن ساسة الإمارات قادرون على توجيه دفة الأمور والإمساك بزمام السفينة وتوجيهها إلى حيث أراد بناؤوها العظام من المؤسسين الأوائل للتجربة الاتحادية ''النموذج''·
ولاحظنا جميعا ومعنا المراقبون السياسيون··· أن أولويات الجيل الثاني من قياداتنا -الذين تربوا في مدرسة زايد- لا تختلف بشكل عام عن أولويات جيل المؤسسين الذين كان محركهم الأساسي في أنشطتهم السياسية والاقتصادية داخلياً وخارجياً تعزيز الكيان الاتحادي وضخ دماء جديدة في شرايين الاتحاد كي تقوى التجربة وتتعزز بمرور السنوات، فكان الهم الأول للجميع هو تغليب المصلحة العامة للاتحاد على حساب ما عداها من مصالح وحسابات· لذا لم يكن غريبا أن يتابع العالم أيضا الوقت القصير نسبيا الذي استغرقته مشاورات انتقال السلطة في الحدثين محلياً واتحادياً والذي لم يتعد ساعات محدودة· فهذه قيم مدرسة زايد السياسية التي غرست في قياداتنا إنكار الذات والوحدة والتكاتف في أوقات المحن والملمات·
والملاحظ أن التقارير الإعلامية التي نشرت عقب وفاة المغفور له الشيخ زايد وكذلك عقب وفاة المغفور له الشيخ مكتوم، تناول بعضها سيناريوهات عدة حاول البعض أن يرسمها لما بعد الحدثين قافزا على الحقائق السابقة· ورغم أن تلـك التقارير والتحليلات لا تتجاوز ما هو مشـــروع في التناول الإعلامي والسياسي، حيث يلعب التحليل السياسي دوراً استباقياً في إلقاء الضوء على المسارات السياسية المحتملة وحيث إن هذه التحليلات جزء من عمل المحللين، فــإن اللافــت للنظــر·· أن هــذه السيناريوهــات التحليلية كانــت غائبة عــن الشـــارع الإماراتــي مــن مواطنين ومقيمين، وهــو الشــارع الذي صــدم حين علم بنبأ وفاة الشيخ زايد ثم صدم مجدداً بنبأ وفــاة الشيخ مكتوم ولكــن هاتين الصدمتين لــم تنتقــلا مطلقا إلى دائرة الخوف ممــا قد يأتــي مستقبلاً·
إن المواطنين والمقيمين كانوا ينظرون إلى انتقال السلطة من منظور تساقطت معه الاحتمالات السلبية التي حملتها تكهنات المراقبين، فالكل هنا يدرك حجم الحرص على التجربة التي عانى الآباء المؤسسون من أجل إنجاحها وإنضاجها والكل أيضاً مهموم بخير الوطن وتحقيق الطموحات ولا مجال للمغامرات السياسية ولا السيناريوهات غير المنطقية، وهذا دليل على قصور فهم المحللين لتفكير القيادات الإماراتية تجاه تجربتهم الناجحة· ففي كلتا التجربتين لم نسمع عن مواطن شعر بالقلق من المستقبل المجهول ولا حتى سمعنا بأن مقيماً واحداً شعر بالقلق والخوف سواءً على ماله أو أهله، بل الهدوء والسكينة كانا عنوان الجميع·
ما يمكن قوله هنا هو أن خريجي مدرسة زايد من قيادات الجيل الثاني هم الموروث الحقيقي للتجربة الاتحادية وهو ما انعكس في تعميق مفهوم الاتحاد وترسيخه بشكل مؤسساتي وعملي يزيح أية شكوك، واستطاعت الإمارات من خلاله أن تتجاوز الاختبارات السياسية التي خاضتها في كلتا التجربتين بكل كفاءة واقتدار ولم تترك المجال للتأويلات والتكهنات·
نستطيع الآن أن نقول إن التجربة الإماراتية نضجت بما يكفي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفي ذلك فخر لنا كمواطنين ودافع للجميع أن يعمل على تطوير الأداء وإعلائه·