خلال العشرة أيام الماضية، هزت أزمتا قيادة شديدتان المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني، وعرضتا الوضع المتوتر على الدوام في الأراضي المقدسة إلى حالة من الخطر الشديد· ففي إسرائيل أدت الجلطة الدماغية التي أصابت رئيس الوزراء آرييل شارون في الرابع من يناير الحالي، إلى جعله غير قادر على القيام بمهام منصبه، وأدت إلى انتقال زمام القيادة إلى يد القائم بأعمال رئيس الوزراء ''إيهود أولمرت''· ولكن مع استمرار غياب شخصية شارون المهيمنة، بعد تعرضه لعجز خطير في قدراته، فإن التوقعات الأطول مدى للمشروع المثير (وإن كان لا يزال أحاديا) الذي كان يتبعه شارون تجاه الفلسطينيين، قد أصبحت محاطة بالشكوك·
في نفس الوقت، وفيما يتعلق بالفلسطينيين، وجدنا أن منظمة فتح التي يرأسها الرئيس محمود عباس قد عانت من تداع شبه تام للانضباط الداخلي في الأيام الأولى من عام ·2006 والوضع في المنظمة يبدو مرشحا للانفجار في الانتخابات التشريعية الفلسطينية المقررة في الخامس والعشرين من يناير الحالي· وهذه الانتخابات التي تأجلت مرة قد تتم إقامتها في الموعد المقرر أو قد لا تقام بالمرة· والحالتان -إقامة الانتخابات أو عدم إقامتها- تشكلان تحديا جسيما لقدرة السيد محمود عباس على استرداد زمام السلطة في المجتمع الفلسطيني، وقدرته على الاستمرار في متابعة عملية السلام مع الإسرائيليين بنفس الطريقة التي قام بها بذلك، منذ انتخابه رئيسا قبل عام تقريبا·
وفي داخل فتح، يواجه عباس تحديا كبيرا من الناشطين الأحدث عمرا الذين يشعرون بالغضب الشديد بسبب إقصائهم من عملية اتخاذ القرار، والذين يوجهون انتقادات شديدة للسياسات التي يتبعها عباس -ومن قبله للسياسات التي كان يتبعها ياسر عرفات·
ولكن التحدي الأكبر لعباس يأتي من منظمة حماس وهي حركة دينية -وطنية عرف عنها أنها قد تفادت الانخراط في حالات الفساد الصارخ وسوء الإدارة التي انخرطت فيها فتح وحلفاؤها· وحتى الآن رفضت حماس الانضمام إلى فتح في منح الاعتراف لإسرائيل· وهذا موقف قد يتغير أو قد لا يتغير·
في عام ،1996 رفضت حماس المشاركة في الانتخابات التشريعية التي أقيمت في ذلك العام·· أما في هذا العام فإن قادتها يعلنون التزامهم بالاشتراك في الانتخابات لدفن إرث أوسلو، كما يطرحون جانبا شعاراتهم الداعية للكفاح المسلح، مركزين على الحاجة إلى محاربة الفساد الفلسطيني، ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، دون أن يذكروا بشكل محدد كيف سيتم ذلك·
ومن الموضوعات محل النزاع الشديد في هذه الانتخابات ما إذا كان سيسمح للـ170 ألف فلسطيني المقيمين في القدس الشرقية المحتلة من الإسرائيليين، بالمشاركة في تلك الانتخابات أم لا· وعلى رغم أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس قالت إنه يجب أن يسمح لهم بالمشاركة إلا أن الشروط التي ستتم بها هذه المشاركة تعتبر في الحقيقة هي التحدي الأصعب الذي سيواجهه السيد ''أولمرت'' في الأيام الأولى لعمله كقائم بأعمال رئيس الوزراء الإسرائيلي·
وفيما بعد ذلك، يواجه ''أولمرت'' أيضا معركته الانتخابية الشاقة في الانتخابات الوطنية الإسرائيلية المقرر عقدها في الثامن والعشرين من مارس خصوصا وأنه كان واحدا من الساسة الإسرائيليين الذين خرجوا مع شارون من حزب الليكود لتأسيس حزب جديد هو حزب ''كاديما'' الذي اجتذب أيضا قادة من أحزاب أخرى مثل السياسي الإسرائيلي المحنك شيمون بيريز·
وفي غيبة شخصية شارون الكاريزمية والقوية، فإن احتمالات نجاح الحزب الجديد في انتخابات مارس القادم غير مؤكدة· ففي الصيف الماضي أيدت غالبية كبيرة من الإسرائيليين الخطوة التي اتخذها شارون بسحب القوات والمستوطنين الإسرائيليين من غزة، ولكن ليس من المتيقن كيف سيكون شكل وحجم الدعم الذي سيمنحه الإسرائيليون للانسحابات الإضافية والأهم في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، والتي ستكون ضرورية للفلسطينيين كي يتسنى لهم إقامة دولة مستقلة وقادرة على الحياة جنبا إلى جنب مع إسرائيل·
ومع معاناة كل من المجتمع الإسرائيلي والفلسطيني من هذه الأزمات السياسية العميقة، فإن هناك احتمالا جديا لاندلاع العنف مجددا وتصاعده بسرعة، في الوقت الذي تواصل فيه أميركا دورها باعتبارها الداعم الخارجي الرئيس لإسرائيل، وفي الوقت الذي تقوم فيه بنشر 140 ألف جندي من جنودها في مواقع مكشوفة للغاية في معظم أنحاء العراق·
وحتى الآن يمكن القول إن إسرائيل والولايات المتحدة قد تصرفتا بشكل معقول، حيث عملتا على الحيلولة دون اندلاع -أو استباق- أعمال العنف التصاعدي· ولكن نظرا لخطورة الوضع في المنطقة الذي أصبح على شفا كارثة محتملة، فإن الولايات المتحدة ستحتاج أيضا إلى العمل بسرعة من أجل زرع بذور أمل جديد في ساحة المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية التي توقفت طويلا، كما أن قيامهما وعلى نحو عاجل، بمطالبة مجلس الأمن الدولي بالتوسط من أجل تحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني ومساعدة واشنطن على إجراء انسحاب ناجح من العراق سيكون بمثابة فكرة حكيم