خيارات سياسة التعليم
المتأمل في حال التعليم بصفة عامة في دولة الإمارات، يلحظ أنه يعاني خللاً متعدد الوجوه، نتيجته الحتمية، أن هناك مشكلة ''جودة''، ومخرجات لا تواكب متطلبات سوق العمل سريعة التغير، ولا إيقاع التطورات العالمية المتسارعة في مختلف أنماط ومجالات الحياة، رغم ما تنفقه الدولة من أموال طائلة، حيث نالت الميزانية المخصصة للتعليم العام والجامعي 37% من مجموع الميزانية الاتحادية لهذا العام (2006)· لقد ركزت سياسة التعليم طيلة السنوات الماضية على الجانب الكمي، وحققت هذه السياسة إنجازات مهمة تظهر جلياً من خلال نظرة سريعة للإحصائيات المنشورة عن التعليم العام الحكومي·
وفي سياق البحث الدؤوب عن حلول عملية للمشكلة ومع زيادة الضغط لتوفير فرص عمل لعدد كبير من خريجي المؤسسات التعليمية، هناك ضرورة لسياسات تعليمية جديدة تواكب متطلبات التنمية التي أخذت في التوسع والتنوع بوتيرة أسرع من أي وقت مضى· هناك ثلاثة خيارات متاحة أمام الحكومة للتعامل مع الأوضاع الحالية في قطاع التعليم هي أولاً: إقناع القطاع الخاص بضرورة المساهمة في تحمل جزء من العبء لتطوير التعليم العالي، وهو ما تقتضيه متطلبات المرحلة المقبلة، وهنا لا يقصد تشجيع الجامعات الخاصة بقدر ما يقصد تخصيص التعليم العالي الحكومي نفسه، وفلترة المؤسسات التعليمية الخاصة التي تبدو تجارية أكثر منها أكاديمية، بل كثير منها يسير دون أهداف واضحة ودون شخصية أكاديمية تتشكل وتنمو مع الزمن، كما أن خطط التعليم الخاص قائمة على دعم الصورة السلبية عن التعليم العام الحكومي، بل هو تعليم يستمد معاييره ووجوده من السلبيات الموجودة في التعليم العام· ثانياً: تجاهل مضمون التعليم واستمرار الاعتماد على العمالة الأجنبية في توفير متطلبات واحتياجات الطلب المحلي من التخصصات والمهارات المطلوبة لضمان استمرار النمو الاقتصادي، مع استمرار الضغط على القطاع الخاص في توظيف الأيدي العاملة المواطنة وإن كانت لا تتناسب واحتياجاته· ثالثاً: بناء مؤسسات وطنية جديدة تعنى بتطوير التعليم على مستوى الإمارات وتكون لها كافة الصلاحيات برسم السياسات ووضع الخطط التعليمية ومتابعة تنفيذها بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم·
بالرجوع إلى هذه الخيارات يلاحظ أن الخيار الأول بحاجة إلى آليات واضحة وملزمة تساهم في تشجيع القطاع الخاص ليمارس دوره في خدمة المجتمع، من خلال تدريب وتأهيل الكوادر الوطنية، كما هي الحال في كثير من الدول المتقدمة· في حين يعد الخيار الثاني سهل التحقيق على المدى القصير وعالي التكاليف على المدى البعيد، حيث ينطوي هذا الخيار على إهمال هدف التنمية البشرية ويتعارض مع طموحات الدولة ومع ما حققته حتى الآن من مراكز متقدمة فيما يتعلق بالتنمية البشرية، كما أنه خيار مكلف للقطاع الخاص الذي يواجه تحديات كبيرة تتمثل في المنافسة الأجنبية، خاصة وأن الدولة تعقد آمالاً كبيرة عليه لقيادة عجلة التنمية ودفع النمو الاقتصادي· أما الخيار الثالث فهو يعد بديلاً يمكن الاعتماد عليه في الوقت الراهن في تحقيق تغيرات سريعة ويحافظ على دور الحكومة الاتحادية في تنمية الموارد البشرية بما يتناسب ومتطلبات التنمية الشاملة، ويواكب التطور التقني والمعرفي·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae