''إننا نخسر الحرب على الإرهاب'' هذه هي العبارة الصادمة للقارئ الغربي تحديدا التي يبدأ بها كل من ''دانييل بنيامين'' الزميل الأول بـ''مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية'' بواشنطن، و''ستيفن سايمون'' المحاضر بجامعة جورج تاون كتابهما الذي نقوم بعرضه في هذه المساحة وعنوانه:''فشل الحرب على الإرهاب والاستراتيجية اللازمة لتصويب مسارها''· والكتاب يشتمل أيضا على الكثير من المقولات المخيفة الأخرى مثل أن ''وقوع هجوم إرهابي آخر على الولايات المتحدة هو أمر حتمي'' على اعتبار أن الهدف من الكتاب في الأساس -كما يقول المؤلفان- هو قرع نواقيس الخطر· ويصب المؤلفان جام غضبهما على إدارة بوش بسبب تهميشها للأجهزة الاستخباراتية المختصة وما ترتب على ذلك من أخطاء فادحة· والمؤلفان لا يطلقان الكلام على عواهنه وإنما يحرصان على توثيق الحجج والأدلة التي يسوقانها، كما يقومان فضلا عن ذلك بإيراد الآراء والآراء المقابلة التي تتعلق بهذا الموضوع· والمؤلفان لا يعتقدان فقط أن احتلال العراق قد تم التخطيط له بشكل سيئ، وتنفيذه بشكل أسوأ، وخصوصا في المرحلة التي تلت إسقاط النظام بل يذهبان إلى أن فكرة الغزو ذاتها كانت خاطئة منذ البداية، وأن الولايات المتحدة بغزوها واحتلالها للعراق قد أدت دون أن تدري خدمة لا تقدر بثمن لتنظيم ''القاعدة''· وهما يقولان في هذا السياق ''إن أسامة بن لادن لم يكن يحلم أبدا بأن الولايات المتحدة سوف تتعثر في العراق بالشكل الذي تعثرت به، أو أنها ستحلق الضرر بمكانتها في العالم على النحو الذي نراه الآن''· ويرى المؤلفان أن الغزو كان له تأثير مدمر آخر على الولايات المتحدة وهو أنه قد أدى إلى إبعاد حلفائها عنها وهو ما عزز مخاوف المسلمين بشأن حقيقة الدوافع الأميركية لغزو العراق كما أن سقوط بغداد ذات الأهمية التاريخية والرمزية الكبيرة بالنسبة للعرب والمسلمين قد أتاح لتنظيم ''القاعدة'' استقطاب أعداد هائلة من المجاهدين الذين يرغبون في تحرير أراضي العرب والمسلمين من قبضة الاحتلال· وعلى الرغم من اعترافهما بأن الحرب في العراق، قد تؤدي بالفعل إلى الحيلولة دون وقوع أعمال إرهابية داخل الولايات المتحدة في المدى القريب، على أساس أن معظم الجهاديين سوف يتوجهون إلى بلاد الرافدين في المقام الأول، إلا أنهما يريان أن العراق سوف يكون بمثابة مركز تدريب جيد للإرهابيين الذين سيتفرغون بعد أن ينتهي الصراع لتوجيه تهديد مباشر للغرب وخصوصا أوروبا· والحقيقة أن تحليلهما لظاهرة هجرة المسلمين وخصوصا من فئة الشباب إلى الغرب وحالات الإقصاء والاستبعاد والتهميش التي يواجهونها من قبل السلطات والسكان في أوروبا وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من انفجارات يبدو منطقيا للغاية بل إن هذا السيناريو الذي تنبآ به قد تحقق بالفعل في ثورة الضواحي في فرنسا· والتحليل الذي يقدمه المؤلفان لعملية اتخاذ القرار الخاص بغزو العراق يعتبر إضافة إلى الكثير من التحليلات السابقة والتي توصلت كلها إلى نفس الخلاصة التي انتهى إليها المؤلفان في تحليلهما هذا، وهي أنه بصرف النظر عما إذا كان العراق لديه أسلحة دمار شامل أم لا، فإن القرار الخاص بتلك الحرب ما كان يجب أن يتخذ بالطريقة التي تم اتخاذه بها· وهما هنا يصوران لنا إدارة بوش في صورة جماعة من الساسة المؤدلجين الذين يقومون باختلاق الذرائع التي تمكنهم من البدء في السير في تنفيذ مشروع كانوا يتطلعون إليه منذ زمن طويل، والذين يظهرون قدرا كبيرا من الغطرسة والتعالي والغرور في التعامل مع كل من اختلف معهم· وعلى الرغم من أن الجزء الأكبر من حقيقة ما حدث قد بات معروفا الآن، إلا أن المؤلفين بحكم العلاقات الوثيقة التي تربطهما بمسؤولين كبار داخل البنتاجون ووكالات الاستخبارات الأميركية، قد حصلا على المزيد من التفاصيل بشأن ما حدث، وهو ما مكنهما من استكمال بعض النقاط التي تساهم في تسليط ضوء أكبر لتوضيح كافة أجزاء الصورة· كما يحاول المؤلفان نقل السجال الدائر بشأن الحرب في العراق إلى ما وراء نقد إدارة بوش وذلك من خلال تقديم ما يعتبرانه استراتيجية لهزيمة الإرهاب· وعلى الرغم من أن الاقتراحات التي يضمنانها هذه الاستراتيجية تبدو معقولة في مجملها، إلا أن الفصل الذي يحتوي على تلك الاستراتيجية يبدو كما لو كان قد تمت كتابته على عجل لأن تلك الاستراتيجية تبدو أقرب ما تكون إلى خطوط عريضة منها إلى استراتيجية كاملة· فهما على سبيل المثال يذهبان إلى القول إن معدل الاستقطاب أو التجنيد في المنظمات الجهادية سوف يتقلص إذا ما تم وضع نهاية للصراعات المحتدمة في الوقت الراهن في القوقاز وكشمير وإندونيسيا والفلبين وقبل ذلك في فلسطين· لا أحد يختلف مع ذلك، ولكن المؤلفين لم يقولا لنا كيف يمكن حل تلك الصراعات المستعصية في المقام الأول· والجزء الأضعف في معادلة السياسة الخارجية التي يقدمانها، هو ذلك المتعلق بالعراق· فمهما كانت الحجج التي يتم تقديمها لإثبات خطأ شن الحرب في المقام الأول، وبيان الأخطاء التي وقع فيها المخططون