عقدت في الأسبوع الماضي في دبي ندوة مهمة، تناولت العلاقات الخليجية- الآسيوية في أبعادها الاقتصادية والنفطية والسياسية والأمنية· وحضر الندوة حوالى خمسين باحثاً وسياسياً من العالم العربي ومنطقة الخليج ومن معظم الدول الآسيوية، سواء في شرق القارة أم جنوبها أم وسطها· وقد اهتم الباحثون بالأبعاد التاريخية لهذه العلاقة، بما في ذلك التداخل الحضاري والثقافي والتجاري بين العرب وجيرانهم، خاصة في جنوب آسيا، منذ عقود طويلة·
واهتم المحاضرون بالوضع القائم، حيث يوجد في الوقت الحاضر قرابة 12 مليون آسيوي يعملون في منطقة الخليج العربي، ثلثهم تقريباً من الهند· وقد تطورت العلاقات التجارية بين الجانبين، فزادت صادرات المجلس إلى آسيا خلال الأربع سنوات الماضية بنسبة 54,4%، كما زادت الواردات منها بنسبة 32,2% خلال نفس الفترة تقريباً· وتبعاً للتطور الاقتصادي الهائل في كل من الصين والهند، فقد زاد حجم التجارة بين الصين ودول مجلس التعاون ووصل عام 2005 إلى 24 بليون دولار، ووصل إلى 13 بليون دولار مع الهند، مما جعل الدول الآسيوية أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون·
وبالرغم من أن العلاقة بين الجانبين الآسيوي والخليجي هي علاقة تجارية تبادلية بحتة، فقد ركز الباحثون على أهمية فهم كل جانب لثقافة وتاريخ الآخر، بشكل أكثر عمقاً عما هو عليه الحال اليوم· وقدّم أحد الباحثين ورقة تحليلية لتجربة شركة النفط العربية-اليابانية، والتي كانت تعمل في المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت لفترة أربعين عاماً، وانتهى امتيازها عام ·2000 وقد عزا الباحث فشل المفاوضات بين الطرفين إلى عدم فهم ثقافة الآخر· فكانت كلمات المجاملة التي يتحدث بها صانع القرار ينظر إليها المفاوض الآخر على أنها موافقة مبدئية لموقفه، مما يدفعه إلى التشدد في المسائل الجانبية والفرعية· ويذكر أن المفاوضات يومها تعثرت بسبب طلب الجانب السعودي زيادة إنتاج الشركة الذي ظل عقوداً طويلة في حدود 150 ألف برميل يومياً· كما طلبت السعودية يومها من الشركة تمويل مشروع نقل الفوسفات من شمال غرب المملكة إلى مصانع كانت ستقام على الخليج العربي، عبر إنشاء سكة حديد جديدة لهذا الغرض· غير أن الشركة لم تكن مقتنعة بصرف ملياري دولار من أجل تمويل هذا المشروع· وكان بإمكانها الحصول على قروض من بنوك يابانية، أو الدخول في مشروع مشترك مع شركات تعدين يابانية أو آسيوية أخرى لتمويل هذا المشروع· من ناحيتها رأت الشركة أن نسبة أرباحها من نفط المنطقة المحايدة، التي تبلغ في حدود 10% لا تسمح لها بزيادة الاستثمار في مشاريع تعدينية ليست لها صلة بأنشطتها· ولم تشجع الحكومة اليابانية من سياستها هذه بعد فشل تلك المفاوضات، ودفعت شركاتها إلى العمل بشكل أفضل من قبل للحصول على امتيازات نفطية جديدة·
كما أن سعي البلدان الآسيوية وشركاتها الحكومية للحصول على النفط قد زاد بشكل كبير عما كان عليه في الماضي، فهناك منافسة حقيقية بين كل من الهند والصين على الحصول على امتيازات نفطية جديدة سواء في آسيا أو في أفريقيا· ولعل الصفقة التي حصلت عليها شركة النفط الوطنية الصينية في نيجيريا قبل ثلاثة أيام خير دليل على سعي الصين الحثيث لتأمين مصادر نفطية لاقتصادها المزدهر· وفي حالة واحدة فقط نجد أن شركتي النفط الهندية والصينية قد تعاونتا للحصول على حق امتياز مشترك للتنقيب عن النفط في سوريا في العام الماضي، ونجحتا في الحصول على هذا الامتياز·
وتدارست الندوة كذلك السمات المشتركة للمنظمات الإقليمية في المناطق الآسيوية ومنطقة الخليج العربي، وركزت على السمات المشتركة بين مجلس التعاون ومنظمة ''الآسيان''· فوجدت أن المنظمتين تتشابهان في كونهما تمثلان دولاً محافظة اعتمدت على النهج التطويري بدلاً من النهج الثوري في تنمية بلادها، كما أنهما تعتمدان على قوة خارجية كبرى لتأمين الأمن لإقليميهما· وبينما نجحت دول ''الآسيان'' في جذب بعض الدول الاشتراكية مثل كمبوديا وفيتنام لعضويتها، لم تتحمس دول مجلس التعاون لعضوية بعض البلدان الثورية في محيطها، مثل العراق أو اليمن أو إيران، للتباين الإيديولوجي، ولتباين مستويات الدخل القومي بينها وبين هذه الدول·
ومثلما تمثل إيران دولة قوية تحاول الهيمنة على الإقليم الخليجي، تمثل كل من الصين وأستراليا قوتان إقليميتان تحاولان بدورهما الهيمنة على الأقاليم الآسيوية· وقد خففت منظمة ''الآسيان'' من تخوفها من هذين البلدين عن طريق منحهما عضوية المراقب· أما التجربة الثانية للتكامل الإقليمي، وهي تجربة منظمة دول وسط آسيا للأمن والتنمية، فقد أشار أحد الباحثين الرئيسيين إلى أنها تجربة فاشلة كنموذج يحتذى به، وأن مهمة تلك المنظمة كانت في الأساس تنظيم تفكك الاتحاد السوفييتي بطريقة سلمية· ولعل النداء الرئيسي الذي ركز عليه الباحثون خلال أيام الندوة هو الدعوة إلى إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في منطقة الخليج العربي، والحصول من الدول النووية الإقليمية منها والعالمية، على ضمانات أ